26‏/06‏/2011

من وحي الرافعي♥


لم أشعر بنبضات قلبي بين أضلعي مثلما شعرت بها وأنا أقرأ (نوتة موسيقية) لمعزوفة حبٍ ملائكي ، حين تقرأ عيناي تِلْكُم الكلمات أجدها تتحول إلى لمسات حانية على قلبي ، وأصابع سحرية تغلق عينيّ برفق لأستمع إلى قيثارة الحب تداعب أذنيّ فلا أكاد أشعر بروحي إلا وهي ترفرف في سماء الجمال بلا حدود.

اعتدتُ قراءةَ كلماتِه كل يوم ، فلا يكاد يمر يوم إلا وأنا أقرأ بعضاً من وحي قلمه المبدع ، كمتعبد يردد أحد الأوراد الدينية، أو كمدمن لا يهدأ له بال دون أن يتناول جرعته، فلا أكاد أقرأ بعضاً من كلماته حتى أحس بالخدر يسري في جسدي ، وبقلبي تهدأ نبضاته ، وبروحي تسكن من بعد اضطراب.

مع كل سطر تمر عليه عيناي أو يمر على قلبي أجدني أرغب في قراءته ألف مرة دون ملل ، وكأن كلماته صورة من صور الجمال الربانيّ التي تُرغمك على التأمل فيها ساعات طوال ، أو معزوفة رقيقة حالمة تدفعك إلى تكرارها والسباحة في فضاءها السرمدي.

إن كلماته لا تلمس شيئاً في قلوبنا، بل تترجم نبضات قلوبنا بكلمات حين تمر على عينيك تشعر كأنك شاهدت صورة طبيعية من إبداع الخالق لا مجرد كلمات شاعرية ، فهو يضيف إلى المعنى معانٍ ، حتى يجعل من كل شيء جميلٍ مجرد مرآة تعكس كل ما هو جميل فيمن يحب.

لا أدري كيف له أن يكون بهذا الصفاء! فله روح تعكس الإيمان الخالص ، وقلبٌ منه نَبَع الحب ، وعقلٌ منه تسترسل الأفكار ، أفراحه ألحان يطرب لها الوجدان ، أحزانه دموع تتساقط من القلب قبل أن تسيل من المدامع ، شاعريته نبضات حب تسمو بالروح إلى عليين ، حيث اللا زمان واللا مكان ، حيث الجمال والرقة والعذوبة ، حيث اليقين والإيمان والسلام ، حيث البسمة والسعادة والأمل.

بساط من الريح هي كلماته ، تحملك معها إلى ما فوق السحاب ، وتهيم بروحك في الجنان ، حيث الملائكة والحور العين وأنهار الجمال اللا معهود الذي تراه بعينيه من خلال كلماته النورانية.

في كل كتاب أقرأه أتخيَّر فقرة أقتبسها وأنشرها كجملة تعكس شيئاً ما بداخلي ، أما الرافعي فأتحيَّر في أمره ، فمع كل جملة يعزفها أجد لها صدى في قلبي وكأنما هو ترجمة لكل المعاني ، أو بستان تتناثر فيه الزهور من كل لون ورائحة فلا تمل التنزه فيه أبدا ولا تعرف أي الزهور أزكى ، فكل زهرة فيه تمثل لوناً من ألوان الطيف ، كذلك هي جمل الرافعي كل جملة فيها معنى من الجمال.

حين تقرأ كلماته تشعر بمعانٍ فوق المعاني ، فهو يزيد الجمال جمالاً ، واللحنَ رقةً ، والورد أوراقاً وحسناً، والأجنحة حريةً، والعطر شذىً ، فهو يجدد الاحساس بالجمال: فترى الصورة كل مرة بانبهارِ أول مرة، وتطرب للحن كل مرة طربك الأوليُّ له ، وتحلق بأجنحة من الخيال مع كل طائرٍ يرفرف في الفضاء ، لكأنما كلماته ياسَمينات يفوح عطرها كلما مررت ببستان أوراقه فتنتشي لها روحك، أو أن الياسمينات هي التي استمدت عبَقها من كلماته ، فالعطر ما هو إلا خلاصة زهرة ، وما الزهرة إلا حرفاً من حروف كلماته.

قديماً كنت أستلهم المعاني من الطبيعة واللحن ، ولكن ومُذْ عرفته صارت الطبيعة والألحان كلها مجرد انعكاس صورة لكلماته ، ف(البيانو) ما هو إلا بعضٌ من شاعريَّتِه ، و(الكمان) ما هو إلا بعضٌ من أشجانه ، و(الناي) آهةٌ من تأوهاته ، و(القانون) معنى من معانيه التي يعزفها قلمه على أوتار القلوب.

فلكأن الله قد خلق قلمه قبل أن يخلق ألوان الطبيعة ، فبدونه ستتأمل الطبيعة بعين وبه ستراها بعين أخرى ، فإذا كان الله قد أنزلَ علينا كتبَه المقدسة لنعرفه من خلالها ، فقد بعث لنا الرافعي لنعرف الجمال من خلال كلماته ، وإذا كان الأنبياء هم رُسُل الأديان ، فالرافعي هو رسول المعاني.

اصطفاه الحب كي يكون رسوله ، فأهداه القلمَ كي يخط (وحيه)
ولأنه التزم الصدق والأمانة في تدوين (وحي القلم) سُمي بالصادق ..
سَمى بالمشاعر فسَمتْ به المشاعر فَعَلا قدراً حتى جسد أروع المعاني وارتفع بها فوق معانيها فصار الرافعي..
فكان اسماً يعكس سمو المسمى به: مصطفى♥صادق♥ الرافعي ♥♥♥♥

أميمة الشاذلي
26 / 6 / 2011م
24 / 7 / 1432هـ

هناك 3 تعليقات:

  1. ما شاء الله، كلامك موسيقي قوي يا أميمة، ربنا يزيدك!!!

    ردحذف
  2. أري أن التلميذة قد تفوقت علي معلمها .... شرف حرفك

    ردحذف
  3. أبو العلياء20 مايو 2012 في 1:30 ص

    راقني ما نسجتيه أُخيّتي أميمة" بل استعذبته واحتسيته !!!

    جميلٌ أن تكون النفس مُدركة لمعاني الجمال في أيّ مادة كانت ، وخاصة حينما يكون الجمال مع صانع بديع النثر ، وأكثر من برعَ في الحديث مع القمر إمام أهل البيان وعبقريّهُ حبيبي وملهمي قائل أقوالي ومُعبّر عم أحوالي " الرّافِـعِـيّ "

    موفّقين

    تحيّاتي أبو العلياء .

    ردحذف