16‏/07‏/2023

إحساس بريء .. "بس عهد البراءة راح"


 

اجعل كلامي أنامل تمسح جبين العرقانين

وازرع سطوري سنابل تطرح في أرض الفلاحين

وابدر حروفي قنابل تصبح حصاد الجبارين


عاجزة أنا عن التعبير عن الألم الذي ألمّ بي حين رأيت الصورة الحزينة المنسوبة للفنان القدير إيمان البحر درويش، والذي له مكان خاص في قلبي وذاكرتي الموسيقية.

في البحر سمكة
بتزُق سمكة
ع الشط واقف
صياد بشبكة

أحببت هذا الفنان منذ نعومة أظفاري، بل إنني أحببت أغاني سيد درويش بصوته، قبل أن أفقه أو أستوعب جمال الصوت الأصلي الذي كان يأتي بعزف عتيق للكمانجا مع "خروشة" لم ترق أذنيّ الصغيرتين آنذاك.



مفيش حاجة اسمه مصري
ولا حاجة اسمه سوداني
بحر النيل راسه في ناحية
رجليه في الناحية التاني
فوقاني يروح في داهية
إذا كان سيبو التحتاني

ربما لم أكن أعرف كل أغنياته حين كنت في غربتي، لكنها لامستني حين استمعتُ إليها بعد عودتي إلى أرض الوطن في مراهقتي

يا غربة رسينا

طال الطريق بينا

دي السكة نسّاية

تايهة في خطاوينا

إيمان البحر درويش عُرف بعذوبة صوته وإحساسه وانتقائه الألحان الرقيقة والكلمات البسيطة العميقة التي تحمل صورًا شعرية بديعة

عجيب حبك ضياه ساكن

في روحي .. في كل تكويني

وبشتاق لك صحيح لكن

ولا عمرك وحشتيني

وتقولي هتوحشيني ازاي

وصورتك ننّي في عيوني!


حين صدرت هذه الأغنية، كنت أسمع موسيقاها - التي ألفها إيمان البحر بنفسه - وهي تصدح من جهاز التسجيل لدى الجيران في المبنى المواجه لنا في حدائق القبة، والذي كان يبعد عنا نحو 10 أمتار. كان الجيران يعيدونها مرارًا وتكرارًا كل يوم بأعلى صوت، حتى بت على يقين من أنها رسالة موجهة من جارٍ لجارته أو العكس.

ضميني وانسي الدنيا

ضميني وانسي الناس

أنا وانتي هنبقى في ثانية

ملناش غير الإحساس

لكم ذُبت مع هذه الأغنية! ومن ينسى أيقونة "الحبّيبة"، لدرجة أن درويش قرر ألا يغنيها في حفلات الشباب "خوفًا" من تأثيرها عليهم، وبصرف النظر عن رأيي أو رأي غيري في هذا الموقف، إلا أنه دليل على صدى أغنيته المدوّي.

جنب مريم قومي صلي

علّي صوتِك بينا علّي

ع اللي خان ادعي وع اللي

قدمك ليهم هدية



"الجرح الأليم" ألبوم أحفظ كلمات كل أغنية فيه عن ظهر قلب. كيف لا وقد كنت أضع "الووكمان" في أذني وأقلب الوجه الثاني بعد انتهاء الأول، ثم الأول بعد الثاني، وهكذا. وكنت "أسرسع" بكلمات الأغنيات وأنا أسير منفعلة في أرجاء منزل عمي نبيل رحمة الله عليه في الدقي، لدرجة أنه كان يطلب مني خفض صوتي الذي كان يزعجه وهو يصحح امتحانات طلبة حقوق بالجامعة.

الخط ده خطي

والكلمة دي ليا

غطي الورق غطي

بالدمع يا عنيا

شط الزتون شطي

والأرض عربية

كانت هذه المرة الأولى التي أسمع فيها أغنية أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام بصوت إيمان البحر بتوزيع مختلف، بعد أن أضاف إليها مقدمة موسيقية لا تزال عالقة في أذني. وربما لا يعرف الكثيرون أن كل أغنيات هذا الألبوم – باستثناء الخط ده خطي- من ألحان بديعة لإيمان البحر نفسه!

اصحي يا أيامنا

سِكّتنا قدامنا

مش كل أحلامنا

لازم نكون نايمين

طب إمتى تتباهي

أراضيها وسماها

إن احنا أولادها؟!

ولا احنا نطلع مين؟!

ولكم شعرت بالغيظ حين وجدت نسخة أخرى من الألبوم بدون موسيقى؛ كي تروق "الإسلاميين" الذين يحرّمون الموسيقى، وكان وقتها إيمان البحر في مرحلة أقرب إلى "السلفية"، يشبه في ذلك الكثير من أبناء جيلنا الذي تخبط يمنة ويسرة.

 ع التوهة والترحال

ماشين يمين وشمال

عايشين وألف سؤال

ويا مين يرسينا

أختلف مع إيمان البحر في آرائه أحيانًا، لكنني لا أملك إلا أن أحبه مغنيا وملحنا بل وممثلاً رغم عدم احترافه، لكن وجهه المبتسم البريء كان كفيلًا بأن يدخل قلبك وتهضمه ذائقتك الفنية مهما كان الأداء. ولا أنسى دوره في أفلام ربما كان أشهرها تزوير في أوراق رسمية، كما أنه سبق خالد النبوي بـ16 عامًا وقدم دور الإمام الشافعي بأداء أفضل في رأيي رغم ضعف الإمكانات آنذاك.



انطفا في القلب نور

وانهدم جوايا سور

واتولد إحساس بريء

بس عهد البراءة راح

لا زلت أذكر شريط كاسيت جاء هدية مع مجلة الشباب قبل عشرين عامًا. هذا الشريط أدمنت أغنياته وكنت أُعيد سماعها مرارًا وتكرارا. كُتب على الوجه الأول "أجمل ما غنى إيمان البحر" وعلى الوجه الثاني "أجمل ما سيغني"

برغم انك بشر .. قلبك غير القلوب

يلين منه الحجر .. قبل ما يعشق يدوب

قلبي لا يعرف يخون ولا يجري ورا الظنون

وبيعشق للجنون دايمًا واحنا سوا

ظللت أبحث كثيرًا عن هذه الأغنية بل وأرسلت إليه في طلبها دون رد، حتى وجدتها مؤخرًا وشعرت بسعادة غامرة، فهي لا تقل جمالًا عن أغنياته العاطفية المشهورة، وأظن أنها من ألحانه.

دوري مع الليل والسواقي دوري

غني عن الأرض الشراقي دوري

واطرحي الأمل اللي باقي في النهار

كوني جنة .. كوني نار

اتكلمي يا حروف بحق ..

قولي: أيوه! قولي: لأ!

قولي: لأ!


لابد وأن تسترعي انتباهك كلمات أغنيات إيمان البحر درويش، حيث يتجلى ذوقه المتوارث عن جده العظيم، لتشعر بأنه يحمّل حروفه أمانة الرسالة، على جناح من ألحان تكشف أحيانًا عن جانب لم نحظ منه بالكثير رغم جمال ألحانه ورقتها، لكنه حتمًا قدم من الأغنيات ما جعل له مكانًا ومكانة في ذاكرة الفن وذاكرة هذا الجيل البائس الثائر اليائس.

يا بلدنا يا بلد
هو من امتى الولد
بيخاف من امه، لما في الضلمة تضمه؟!ِ
صدقيني خفت منك
خفت منك .. صدقيني
نفسي أقولك ألف حاجة
بس آه لو تفهميني


أميمة الشاذلي

صباح الأحد

28-12-1444

16-07-2023

13‏/08‏/2015

مسلسل هندي



 ربما يظن البعض أن عنوان المقال رمزي تختفي خلفه مقاصد سياسية، والحقيقة أن ما يحدث في بلدنا تعدى مرحلة «الفيلم الهندي» كما نقول دائمًا. كما أنني مللت الحديث عن أمور ما عدت أجد جدوى من التحسر عليها أو الثورة عليها. لكن الواقع أن العنوان هو مقدمة لما سأتحدث عنه بالفعل؛ مسلسل هندي صادفته على قناة mbc bollywood وجذبتني الحالة التي تعكسها قصته. إنه مسلسل Iss Pyaar Ko Kya Naam Doon? «ماذا أسمي هذا الحب؟» أو كما سميت نسخته المدبلجة «من النظرة الثانية».

قصة رومانسية تعكس حالة من الحب والجنون في قالب هندي يعكس كل ما في ثقافة هذا البلد العريق. والحالة التي يعكسها المسلسل تذكرني بتلك الحالة التي أعيشها كلما شاهدت فيلمًا مصريًا قديمًا «أبيض واسود». حالة افتقدتها في جُلِّ مسلسلاتنا اليوم؛ فأعمال اليوم تتلخص في اسم البطل والبطلة بصرف النظر عن أحداث القصة، أما أحداث القصة فلا شيء مميز فيها إلا ما ندر، فلا هي تعكس واقعًا معاصرًا مريرًا يجسد حقيقة حياة معظم المشاهدين، ولا هي تعكس ثقافة هذا البلد العريق كما كانت تتجسد في أعمال العمالقة نجيب محفوظ وأسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبد القوي ومحمد صفاء عامر، وكي أكون منصفة فإن آخر الأعمال الواقعية غير المبتذلة كان مسلسل «ذات» للرائع صنع الله إبراهيم.

هذه الحالة الفريدة التي وجدتها في هذا المسلسل الهندي دفعتني لاعتزال كل الأعمال الرمضانية هذا العام ومتابعة النسخة المترجمة منه عبر الإنترنت. ولا أخفي عليكم أنني شعرت في البداية بشيء من الضيق لأن المسلسل من 400 حلقة إلا حلقتين؛ لكن هذا الضيق زال بمجرد متابعتي لأحداث ما بعد الحلقات المدبلجة التي أذيعت على قناة mbc bollywood والتي لم أتابع منها إلا القليل. فحلقات المسلسل الهندي المترجمة لا تأخذ من وقتك سوى ثلث ساعة، الأمر الذي يسمح لك بمشاهدة عدة حلقات في ساعتين أو ثلاثة، هذا بالإضافة إلى أن أحداث القصة الشيقة وطريقة تصويرها وتجسيدها وإخراجها تجعلك لا تملك إلا أن تشاهد حلقة تلو الأخرى دون ملل.

لست هنا في معرض الحديث عن تفاصيل قصة المسلسل التي بها بعض المبالغات والأخطاء التي لا يخلو منها عمل درامي، لكني أتحدث هنا عن الحالة التي عكستها كل حلقة منه؛ فالمسلسل يدور في إطار رومانسي اجتماعي حول قصة حب بين شاب ثري وفتاة متوسطة الحال، تمتزج فيها أفكار عدة ذكرتني تارة برواية Pride and Prejudice للروائية العظيمة جين أوستن، وتارة بمسرحية شكسبير The Taming of the Shrew أو ترويض النمرة، بيد أن القصة في الحقيقة كانت ترويضًا للطرفين «النمر والنمرة». لكن الشيء الواضح في هذا المسلسل هو الثقافة الهندية الفريدة التي لم يؤثر فيها الاحتلال الإنجليزي بشكل يطمسها، بل إن ثقافة الهند ذات جذور عميقة، كما أن البصمة الشرقية واضحة وضوح شمس النهار في هذا المسلسل؛ حيث تجد الأزياء الهندية بألوانها البديعة التي تدخل البهجة إلى قلبك بصرف النظر عن الأحداث، كما تجد تصفيفة الشعر الأنثوية الهندية المميزة، والعادات والتقاليد الهندية، والأعياد والمناسبات الهندية، والرقصات الهندية التي تطرب الروح، والألحان الهندية ذات الإيقاع الحيوي الذي يدفعك دفعًا لتكرار سماعها، كل ذلك في قالب اجتماعي أبدع فيه المؤلف والمخرج وطاقم التمثيل وطاقم العمل ككل.

وإذا تحدثت هنا عن طاقم التمثيل فلا أملك إلا أن أسجل إعجابي بكل مشهد أداه أفراد لم يكونوا قبل هذا العمل من أهل الشهرة في بوليوود، لكنهم صنعوا نجوميتهم ببراعتهم في هذا العمل. فالفنان بارون سوبتي المعروف باسم «أرناف» استطاع أن يجسد ببراعة دور رجل الأعمال الواثق من ذاته والمنطوي على نفسه، والبعيد كل البعد عن الاجتماعيات التي لا يراها إلا شكليات، الذي يمنعه كبرياؤه عن الاعتراف بمشاعره قبل أن يحوله الحب تدريجيًا إلى شخص أكثر انفتاحًا وأوسع صدرًا مع احتفاظه بطابعه المتحفظ الصارم. أما سانايا إيراني والمعروفة باسم «كوشي»، تلك الفتاة الشعبية البسيطة، فقد أبدعت وأبدعت وأبدعت في التعبير عن مزيج من مشاعر متباينة؛ أبدعت في مرحها، أبدعت في جنونها، أبدعت في رومانسيتها، أبدعت في براءتها وسذاجتها، أبدعت في حزنها وفي فرحها وفي قلقها، باختصار، فإن سانايا إيراني أبدعت في أنوثتها وجسدت معنى اسمها في المسلسل «السعادة».

وحين أتحدث عن عمل ما، فإنني أمقت أن أختصره في البطل والبطلة، فالعمل لا يقوم عليهما وحدهما، وإذا لم يكونا ضمن فريق متكامل ناجح لن تكتب لموهبتهما النجاح مهما حاولا الإبداع في أدائهما. والحقيقة أن المسلسل الهندي لم أجد به ممثلاً واحدًا لم يتقن دوره، فالمسلسل تجسيد لروح الفريق. وربما ينبغي علي أن أبدأ بكبار السن الذين لم يكن وجودهم في العمل لمجرد تكريمهم كما يحدث في بعض الأعمال الحالية مع غض الطرف عن إبداعهمبعد أن يخفت ضوؤهم مع تقدمهم في السن. كبار السن في هذا المسلسل تم تقديمهم في إطار غاية في الإبداع والرقي والاحترام، يدفعك لتوقيرهم ولمس أقدامهم كما يفعل أهل الهند لتحيتهم ونيل بركاتهم، وهذا الأمر ينطبق على خالة وزوج خالة «كوشي» أو عمتها، وعلى جدة أرناف لأمه، وحتى على جدته لأبيه بقسوتها المستمدة من مشاعرها الغاضبة منذ انتحار ابنها.

أنتقل بعد ذلك إلى الشخصية الشريرة في هذا المسلسل، والتي كانت عبر ما يزيد عن ثلاثمئة حلقة ترتكز على شخصية «شيام» الذي استطاع أن يعيد إلي براءة مشاعري حين كنت طفلة أكره «الشرير» في الحقيقة كما أكره دوره في العمل السينمائي أو الدرامي الذي أداه. هذا الشعور الطفولي الذي نسيته مع التقدم في العمر وفهم الأمور على حقيقتها. عاد إلي هذا الشعور مرة أخرى مع هذا الفنان الرائع، رغم مبالغته في الشر مبالغة تمتاز بها الأعمال الهندية ولا تقلل من قيمتها الكلية، لأن العبرة في العمل هو الشكل العام. ضحكته الشريرة التي تشبه ضحكة أبي لهب في أفلامنا التاريخية، ونصف ابتسامته التي تذكرك بالشخصيات المخادعة في مسلسلات الكارتون القديمة، نظرة عينيه، تحول وجهه من الخبث ليرسم على وجهه البراءة متبعًا أسلوب الحرباء، كل مشهد جسده في هذا المسلسل يكشف عن موهبة متفجرة ربما ستكون علامة في الفن الهندي في المستقبل.

ويستمر حديثي عن طاقم التمثيل مع الفنانة دالجيت كور التي أدت دور شقيقة أرناف «أنجالي» المحبة البريئة المتدينة الساذَجة، التي تتعمد تجاهل مرارة الواقع كي تعيش في عالم أحلامها النقي الذي رسمته لنفسها بعيدًا عن قسوة وطأة الخيانة على مشاعرها الرقيقة. كما أبدعت زوجة خالها «العمة مانورما» التي جسدت شخصية لا تخلو عائلة منها؛ المرأة الناقدة وأم الزوج «لحماة» التي تنشب أظفار غيرتها في جسد من تراها خطفت ابنها الوحيد منها، وهي في ذات الوقت مهتمة بزينتها مبتعدة عن كل ما يرهق جسدها. شخصية واقعية ينطبق عليها المصطلح المصري «عايقة ومتضايقة».

ناند كيشور الشهير بـ«ناني»، أصغر فرد في عائلة رايزادا؛ من ألطف الشخصيات في هذا العمل، شاب أقرب للطفولة في براءته وطيبة قلبه وخفة دمه، ودوره كان محركًا رئيسًا لأرناف كي يسعى نحو حبه، كما أن لغته الهندية الركيكة في المسلسل، كانت لمحة رائعة من كاتب القصة؛ حيث ضرب بها عصفورين بحجر واحد، فأخطاؤه المتكررة في اللغة صنعت مشاهد كوميدية كما قدمت الكلمات المتشابهة في اللغة الهندية بشكل سلس دونما تكلف، في نموذج قدير لتقديم اللغة من خلال عمل درامي واحد. أما أخت كوشي والمعروفة باسم «بايال» وحبيبها ابن عم أرناف أكشاي دوجرا والمعروف باسم «أكاش»، فكلاهما نجح في تجسيد دور الشخصية الهادئة المحبة الرقيقة التي لا تعرف الخداع ولا التعقيدات في الحياة.

طاقم التمثيل لم يكن وحده المبدع، فلولا الإبداع في الإضاءة والتصوير والموسيقى التصويرية والأغاني والأزياء والإخراج لما كانت لهذا المسلسل سمته الخاصة التي تدفعك دفعًا لمتابعة كل تفصيلة فيه، فكل حلقة لا تخلو إما من مشهد حب أو أغنية رقيقة أو رقصة مرحة دون أن تجد مشهدًا مقززًا أو موسيقى صاخبة تؤذي أصحاب الأذن السليمة أو رقصة تثير الغرائز. المشاهد الرومانسية في المسسل لا يوجد بها مشهد جنسي واحد ولا حتى قبلة مثيرة تخدش حياء المشاهد، ورغم ذلك لا تملك إلا أن تشعر كل ذرة في روحك بجمال كل مشهد مهما بلغ قصره أو بلغت بساطته، بل إن كل مشهد رومانسي بموسيقاه البديعة يعيدك إلى أفلام الأبيض والأسود، إلى حب الزمن الجميل الذي يذكرني بما قالته حنان ماضي في أغنيتها: «فاكر يا شباكنا .. لما الهوى شبكنا .. النظرة تسحرنا.. واللمسة تربكنا». ذلك الحب الروحي البريء الذي ما عدنا نجده في ظل ثقافة عصر السرعة والتيك أواي حتى ما عدنا نشعر بواقعية أي مشهد رومانسي لخلوه من الرومانسية الحقيقية المنبثقة من حب حقيقي يشعر به الممثل أو الكاتب. الحب الذي يجعل الحبيب يشعر بحبيبه مهما بعدت المسافة ومهما كانت الحالة، ويتأثر بنظرة أو بسمة أو لمسة.

وبعيدًا عن الدوبلاج الذي يشوه المشاعر الحقيقية والثقافة الحقيقية لأي عمل، ومع رغبتي الحقيقية في أن يستجيب المسئولون عن دبلجة هذه الأعمال ويتركوا المساحة لمشاهدته تارة بالدوبلاج وتارة بالترجمة لتناسب كافة الأذواق، لكن خلاصة القول أن حالة هذا المسلسل بشكل عام أثارت إعجابي وغيرتي في الوقت ذاته؛ فالمسلسل استطاع جذب اهتمامي لكل ما يتعلق بالهند؛ حتى صارت لدي رغبة حقيقية في زيارة هذا البلد الجميل والتعرف على ثقافته عن كثب رغم ما يعانيه هذا البلد من مشاكل كثيرة أبرزها الفقر.هذا الأمر أثار غيرتي في الواقع كلما قارنت هذا العمل بأي عمل مصري أو عربي معاصر، فجل الأعمال إن توفر في أحدها عنصر من عناصر المسلسل الهندي فقد عناصر أخرى مهمة، فجمال الموسيقى قد يجذبك إلى البحث عن مقطوعات المسلسل دون متابعته، وجمال القصة لا يعني بالضرورة أن أبطالها استطاعوا إقناعك، لاسيما في القصص الرومانسية، ولكي لا أظلم الفن المصري، فإن هناك بعض الأعمال القليلة التي يمكن أن يطلق عليها أعمال متكاملة لكنها ليست في النطاق الرومانسي الذي يثير فيك روح الجمال والهدوء والرقة والعذوبة، وليس من بين تلك الأعمال «التي تعد على أصابع اليد الواحدة» عمل يشجع غير المصريين على زيارة مصر والتعرف على ثقافتها.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم نعد نقدم أعمالاً تبرز جمال تراثنا وثقافتنا وفننا؟! أين الأعمال التي تقدم ألحانًا مصرية فريدة كتلك التي تربينا عليها في مسلسل المال والبنون والضوء الشارد وغوايش والمصراوية والكيت كات؟! أين تلك الأعمال التي تقدم لنا الرقص المصري الشعبي كتلك الرقصات التي قدمتها فرقة رضا؟! أين الأعمال التي تقدم فقراء هذا البلد والمهمشين وأهل المناطق الشعبية والعشوائية في شكل يخلو من الابتذال وتشويه السمعة، علمًا بأن العمل الوحيد الذي قدم هذه الصورة بشكل مشرف كان مسلسل «ابن حلال»؟!أين الأعمال الواقعية التي تقدم المواطن المصري الطبيعي غير المصطنع، من قبيل مسلسل «ذات»؟! أين الأعمال التي تبرز الأماكن السياحية في مصر بشكل حضاري بعيدًا عن الأساليب التعليمية في التعريف بآثارنا؟! أين الأعمال التي تبرز مواطن الجمال في ربوع البلاد من بحار وأنهار وجبال وشلالات؟! أين الأعمال التي تقدم ديننا بشكل مدمج في الأحداث مثل مسلسل الخواجة عبد القادر، دون توجيه صريح ودون جهل كاتب بتفاصيل الدين والآيات، ودون خطبة أزهري أو وعظ قسيس؟! كيف استطاع مسلسل هندي واحد أن يجمع بين كل هذه العناصر، ولم تستطع كل مسلسلاتنا التي تعد بالعشرات في كل موسم رمضاني أن تنقل مثل هذه الصورة عنا بشكل مشرف؟!

لست من المفتونين بالثقافات الأخرى، وما دعاني لكتابة هذا المقال هو رغبتي الحقيقية في التعبير عن إعجابي بهذا المسلسل البديع من جهة، ودق ناقوس الخطر للمسئولين عن الفن المصري من جهة أخرى.كلي أمل أن يسعى أهل الثقافة والغيورون على فننا لبحث افتتاح قناة تقدم الفن المصري للهندـ كما أنشأنا قناة تقدم كل ما هو هندي للعرب.فلم نهتم بمعرفة ثقافتهم ولا نهتم بنشر ثقافتنا؟! أين التبادل الثقافي الحقيقي بين الدول؟! لم لا نترجم الأعمال المصرية القديرة من أفلام ومسلسلات – قديمة وحديثة- إلى اللغة الهندية والتركية ونقدمها من خلال قناة مصرية أو عربية؟! لم اقتصرت القنوات على الأخذ من الثقافات الأخرى ما بين المسلسلات الهندية والتركية والأمريكية وكأننا نعترف بأننا – بكل أعمالنا وإمكاناتنا- نفتقر إلى ما لديهم؟! لم لا توجد قناة مصرية أو عربية واحدة في أي من هذه الدول تقدم لهم ما يقدمونه لنا؟! متى يشعر الفنان المصري والمثقف المصري والكاتب المصري بقيمته ويتحمل مسئولية نقل ثقافة بلده ونشرها هنا وهناك؟! متى يفرض الفن المصري وجوده بين أهل المشرق والمغرب؟! متى ينسى كل مسئول مقولة «احنا أحسن من سوريا والعراق» ويتعامل مع مصر على أنها «أم الدنيا»؟!

مساء الأربعاء

12 أغسطس 2015م

13‏/04‏/2015

إلى إسلام بحيري .. وإلى الأزهر



بداية، لا أريد أن ينظر إلى كلامي بنظرة الباحث عن توجه صاحب المقال، فأنا لا أنتمي إلى أي فصيل ولا إلى أي حركة، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ولا أريد الانتصار لإسلام بحيري ولا الهجوم عليه .. ولكني أبحث عن الإنصاف في أمره، بما له وما عليه، بعيدًا عن التعصب والتحزب الذي لا طائل من ورائه سوى زيادة الاحتقان والخروج من أزمة إلى أخرى.

 في أول الأمر، سمعت "عن" إسلام بحيري لكني لم أسمع "منه". وكان أول ما يصادفني "عنه" هو ذاك المقطع الذي قام فيه أحد السلفيين في قناة تسمى "صفا" بنشره تحت اسم "فيديو يفضح تدليس إسلام البحيري"، لكشف كذبه بحق ابن تيمية في أنه أباح حرق الأسرى بل ورآه مقربة لله تعالى، وكانت الجملة الأصلية في الكتاب تقول عكس ذلك، حيث تعمد إسلام ترك (لا) من الجملة المنفية. وبصرف النظر عن رأي ابن تيمية المنافي للإنسانية في كثير من الأمور، إلا أن هذا الفيديو كان كفيلا بأن يجعلني أضع البحيري ضمن القائمة السوداء للمدلسين؛ لأن المقطع أظهر بما لا يدع مجالا للشك أن بحيري تعمد ترك نفي الجملة كي يثبت أن ابن تيمية يدعو إلى حرق الأسرى والتمثيل بهم! 

ورغم أني من المعارضين لابن تيمية وكل من تشدد له، ورغم أني من المستهجنين لمنهاجه الذي كان أساس معظم الحركات الإرهابية وغير الإرهابية التي اتخذت من العنف اللفظي والفكري والفعلي منهاجًا لها؛ إلا أنني كرهت أسلوب التدليس الذي انتهجه إسلام. فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن أنفي جملة أثبتها كاتب أو أثبت جملة نفاها في سبيل دفع الناس لتركه أو كرهه، فابن تيمية عليه من المآخذ وارتكب من المصائب ما تجعل المرء في غنى عن التدليس عليه لإثبات انحراف منهاجه، ولهذا أعلنت في بداية الأمر أن إسلام بحيري هو كاذب مدلس وجاهل، لأنه لو كان عالمًا بما يفعل لاستطاع أن يعرف المآخذ الحقيقية التي ذكرها العلماء وعلى رأسهم علماء الأزهر، وعلى رأسهم شيخ الأزهر ذاته والذي سمعته بنفسي يقول في أحد البرامج في ابن تيمية ما قال مالك في الخمر، وكان ذلك قبل أن ينصَّبَ شيخًا للأزهر.

ولكن مع الوقت، ازداد الهجوم على إسلام، خاصة بعد أن وجدت بعض الحمقى يروجون لكون إسلام يحمل اسمًا حقيقيًا آخر ودينًا آخر بل وجنسية أخرى، وأشياءَ أخرى لا أجد فيها الكفاية لإثارة ضحكي. وكانت البلبلة المثارة حوله، وانجذاب الملحدين إليه وتراجع بعضهم عن تخليه عن الإسلام، كان كل ذلك دافعًا للاستماع إليه بشكل أكثر تفصيلًا، لاسيما بعد الضجة الكبيرة التي أثارتها المناظرة التي عقدت بينه وبين د. عبد الله رشدي والذي عُرّف بأنه أحد المتخصصين الأزهريين الحاصلين على الدكتوراه في العلوم الشرعية. تلك المناظرة التي استمعت إلى مقطع منها وأنا كلي ثقة أن العالم الأزهري - إن صح الوصف - قد أفحم فيها إسلام بحيري، إلا أني سمعت من د.رشدي ما جعلني أعيد النظر في أمر إسلام، أو على الأقل ما جعلني أرغب في الاستماع إلى كامل المناظرة؛ لِمَا وجدته من د.عبد الله مما أثار غضبي، خاصة في إصراره على تصيد خطأ ما لإسلام رغم توضيح الأخير لحقيقته. ناهيكم عن دفاعه عن كون سيدنا الإمام علي عليه سلام الله ورضوانه وكرم الله وجهه قد أحرق بعض الزنادقة في عهده وأن سيدنا عبد الله بن عباس وضح له خطأه. وكان رد إسلام عليه هو ما جعلني أعيد التفكير في أمره، فإسلام كان يدافع عن الإمام علي مؤكدًا كذب هذه الرواية التي نسبت إليه بينما كان الآخر يصر على إدانة الإمام وتصحيح الرواية!

عندها قررت أن أستمع إلى كامل المناظرة. وكانت رغبتي العقلية تستند إلى عامل بشري أحاول مراعاته ما استطعت، قلت لنفسي: لربما أخطأ مرة وأصاب في مرة ثانية، فلم لا أستمع إليه؟! فلربما وجدت لديه بعض الحق! وقد كان.

استمعت في البداية إلى مناظرة "ضعيفة" بينه وبين محمود شعبان صاحب الجملة الشهيرة "هاتولي راجل" لأجد من هذا المدعي ما يثير حفيظتي، فضلاً عن كوني من المعارضين لمنهاجه المتشدد الذي لا يقنع عاقلاً. وكنت أتصور في البداية أنني سأخرج من هذه المناظرة غاضبة على الإثنين، إلا أنني وجدت العقل يؤيد ما قاله إسلام، بصرف النظر عن خلع شعبان لحذائه ردًا على عجزه عن إقناع إسلام والمشاهدين بمنطقه القاصر الذي يعتمد فيه على الفهم السطحي للآيات القرآنية.

وتلت هذه المناظرة واحدة أخرى في اتصال هاتفي مع الشيخ خالد الجندي، والذي أخذ يدافع في بادئ الأمر عن الأزهر ورجاله، ثم أخذ يدافع باستماتة عن ابن تيمية مدعيا أنه إمام وعالم جليل وأشياء كثيرة جعلتني أشعر أنه يتحدث عن رسول أو وليّ لا عن مؤسس المنهاج التكفيري الإرهابي. ولو كان هذا الشيخ يبحث في الدين ببعض العمق لعرف أن شيخ الأزهر الذي يدافع عنه وعن رجاله يؤمن بما قاله إسلام البحيري في شأن ابن تيمية! بل إنني سمعته بأذني قبل أن يعيّن شيخًا للأزهر في لقاء له على قناة النيل الإخبارية يقول في ابن تيمية ما قال مالك في الخمر ويؤكد أنه أساء للدين وأنه تشرب طباع اليهود الذين تربى في حارتهم وأنه وأنه وأنه. فهل لديك الجرأة والشجاعة يا شيخ خالد لتواجه شيخ الأزهر ذاته وتقول له أن ابن تيمية هو إمام المتقين!!!

كل ذلك صب في مصلحة إسلام بحيري ولا شك. ثم استمعت إلى كامل مناظرته مع الدكتور الأزهري عبد الله رشدي، وكانت البداية لصالح إسلام بحيري الذي علق على أول نقطة أثيرت حول مرجعية الأزهر بكلام قانوني لا غبار عليه. كما أنه تحدث عن البيان الذي صدر ضده بمنتهى اللباقة ملقيًا باللوم على المستشار القانوني مؤكدًا أنه يربأ بالأزهر عن إصدار مثل هذا الأمر، وهذه نقطة إيجابية أخرى تحسب له. 

على الجانب الآخر، بدأ د.عبد الله رشدي في سرد ما عنده باستعراضٍ واعتراض على لفظ "التنوير" بما يسميه علماء الفلسفة "سفسطة"؛ فقد استخدم أسلوب سوفسطائي للاعتراض على أن التنوير بدأ في زمن محدد، ليرجع ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أمر لم يناقشه إسلام البحيري لأنه من المسلّمات، فمن البديهي أن يكون التنويريون المسلمون في العصر الحديث معتمدين في منهاجهم على النور الأول الذي منه استمدوا كل الأنوار، فمجرد الحديث عن ذلك واستعراض قيمة الصحابة والتابعين هو من قبيل إضاعة وقت المناظرة فيما لا ينبغي، كل ذلك ليرمي بالكلام على إسلام بأن الأئمة الأربعة وعلم السند لا يجوز التشكيك فيهم لأنهم هم أساس الفقه كله (واخدلي بالك يا إسلام يا اللي متضايق منهم؟!)، وهو أمر يدل على ضعف المناظر، فكان ينبغي ألا يتطرق إلى هذا الأمر إلا إذا أثير أمامه خلال الحديث، كما أن دفاعه عن الأئمة الأربعة والسند كان بلا قيمة، فإسلام في الأصل لم يهاجمهم لأسباب شخصية ولكن لأسباب محددة، فكان ينبغي على د.عبد الله أن يركز على نقطة معينة انتقدها إسلام في أحد الأئمة ويقول قولَته فيها، لا أن يرمي كلامًا مبهمًا من باب "واخدلي بالك انت؟!".

ثم كانت صدمتي الحقيقية فيما وراء الخطوة الثانية التي وصل إليها د.عبد الله رشدي؛ والتي تلخصت في انتقاص مناظره الذي يرى أنه لم يكن ينبغي له أن يتحدث في كتاب الله ورسوله لأنه ليس أهلا لهذا العلم، مستشهدًا بكل آية يستطيع أن يفهم من ظاهرها ما يحاول إيصاله لإسلام وللمستمعين، كي يثبت أن الأصل الذي بنيت عليه المناظرة باطل لأن إسلام ليس ممن فقه في الدين مثله هو ومن على شاكلته، فالدين هو علم كمثل بقية العلوم لا منهاج حياة، لكن الأمر لا يمنع أن يكون منهاجًا لحياتك، بشرط أن يكون هذا المنهاج مشروحًا بتفسير من تصدروا له ممن يقولون بأنهم هم الأصلح لأنهم درسوا كتب الأولين!

الكارثة الكبرى كانت في الأسلوب الذي يتحدث به د.عبد الله رشدي عن إسلام بحيري، وهو أسلوب السلفيين الذين يتصيدون الأخطاء، فهو انتقل من النقطة السابقة مباشرة إلى حق الأزهر في التصدي لإسلام بمنع برامجه لأنه أخطأ في الذات الإلهية! علمًا بأن هذه التهمة أبشع مما يتخيل الجميع، ويجب هنا التفرقة بين الخطأ في التعبير أو الخطأ في الحديث عن الذات الإلهية، وبين إهانة الذات الإلهية، والفارق كما بين السماء والأرض، فإسلام أخطأ التعبير عن الذات الإلهية في أحد برامجه وهو صادق النية فيما يقول، وغير قاصد الإهانة التي أصر د.رشدي على تكرارها أكثر من مرة، وكأنه لا يبحث في كلام البحيري إلا عما يدينه، لا عن منطقية ما يطرحه!

والحقيقة أن رد إسلام على هذه النقطة كان كافيًا لعدم الخوض في المسألة مرة أخرى؛ فقد أوضح أنه لم يخطر بباله أبدًا إهانة الذات الإلهية التي يدّعيها، وأنه كان حسن النية؛ يقصد بذلك أن الله لم يكن ينتظر منا أن نفعل في أنفسنا ما نفعل. لكن د.عبد الله أعاد ذات الاتهام مرة أخرى وكأن إسلام لم يقل شيئًا، مؤكدًا ما قلتُه سابقًا وهو أنه لا يبحث عن مناقشة طرح المفكر بحيري ولكن عما يدينه رغم أنفه! ولو كنتُ مكان إسلام لقلت له: إذا كنت تريد أن تكفرني أو تتهمني بالزندقة أو ما شابه فافعل ما شئت ولا داعي لإعادة السؤال لأن إجابتي عليه لن تقدم ولن تؤخر ما أردت إلصاقه بي، وإن كنت تسأل بصدق عن معنى أسلوبي الذي استخدمته فقد أجبتك من قبل، ولن أكرر إجابتي مرتين وإلا لاتهمتك بنقص تعانيه في الفهم والاستيعاب!

كان يكفي د.عبد الله رشدي أن ينبه إسلام إلى ضرورة مراعاة الألفاظ بطريقة لطيفة بعيدة عن أسلوب التقريع والتدريس كما لو كان إسلام طفلاً صغيرًا يؤنبه على فعلته. وكلما كان إسلام يوضح له حقيقة مقصده كان رشدي يتعمد أن يؤكد على أن الأول يسيء إلى الله، رغم أن الإساءة إلى الذات الإلهية لا تكون إلا بتعمد، والرجل كان طوال حلقاته يتحدث عن الله على أنه ربًا، فمجرد اصطياد كلمة في لحظة انفعال ومحاولة لتقريب المثال لأذهان العامة في حلقة واحدة ضمن مجموعة حلقات، وبعد أن أوضحها المتهم، يكون مجرد الإصرار على معنى اللفظ السيء هو من قبيل العبث.

ثم انتقل د.عبد الله إلى انتقاد موقف الأستاذ إسلام من الحدود؛ و اتضح له في آخر المناظرة أن معنى كلمة "حد" التي نطقها إسلام كان مدلولها واضحًا وضوح الشمس أن معناها كلمة "شخص" وليس الحد الشرعي، إلا أن د.عبد الله كابر وهو يضحك سخرية من مناظره، وأصر على إدانة الأستاذ إسلام بأنه كذب حين أقسم وقال "والله العظيم أنا مقولتش الحد" في محاولة للخروج من المأزق الذي وجد نفسه فيه. وكان الأمر واضحًا لكل من سمع المقطع أن إسلام أراد بكلمة "حد" معنى "شخص"، وأن الذي أقسم على عدم نطقه هو كلمة "حد" التي تعني "حد الله"، لكن د.عبد الله أصر على موقفه بدلاً من الاعتذار، وهو من قبيل المكابرة لأنه لا يتخيل أن يعتذر لإسلام الذي يريد أن يقول فيه ما قال مالك في الخمر.

ومن حسن التوفيق، أن المقطع الذي تلا هذا السؤال، والذي طلب إسلام عرضه على مشاهدي المناظرة، هو مشهد مخجل لكيفية تعامل معظم رجال الأزهر مع كل من ينتقد أي تفصيلة مهما كانت صغيرة في الدين، لاسيما لو كان من خارج الأزهر، وكأن الدين حكر عليهم! وكان المقطع لمندوب الأزهر وهو يهاجم إسلام البحيري في أحد البرامج الأخرى، زاعمًا أنه قال في إحدى حلقاته أن الإسلام منتج بشري وليس إلهيًا!! وجاء ما يدعو كل من هاجمه إلى طأطأة رأسه خجلًا، حين جيء بالمقطع الأصلي وإسلام يقول فيه ما معناه: "الإسلام منتج لك أنت، من حقك أن تعبد الله به ومن حقك أن تفكر فيه وتستنبط منه، لا أن تترك الأمر لغيرك كي يفكر عنك، فالفكر في الدين ليس حكرًا على أحد، والعبادة ليس هي المتاح لك من الدين وحسب"، ولم ينطق إسلام كلمة "الإسلام منتج بشري وليس إلهيًا" بالمرة، الأمر الذي يجعلك تتساءل عن كيفية تعامل رجال الأزهر مع شتى جوانب الحياة والمناقشات والأفكار. بل إن المثير للسخرية حقًا أن نفس هذا المقطع لو كان أكمله رجال الأزهر قبل أن يطلقوا التهم جزافًا لوجدوه يقول عن الإمام البخاري أنه يحاول من خلال حلقاته ألا يجعل الناس تقدسه ولا تهينه، وهو ما ينفي ما يحاول البعض اتهامه به من أنه يهين البخاري، الأمر الذي لم يرد على لسانه البتة.

وبعد أن انتهى وقت إسلام، ارتدى د.عبد الله ثوب المعلم المربي، مؤدبًا إسلام بتهمة أنه أساء الحديث عن القرآن، مستشهدًا في ذلك بما ثبت فيما بعد أنه كلام مجتزأ كالعادة، حين اتهمه بالسخرية من حدود الله زاعمًا أنه وصفه بأنه "كلام عبيط"، وهو اتهام يعلم الجميع أنه يخرج صاحبه من الملة، تماما كالاتهام بالإساءة إلى الإسلام. ثم ارتدى د.عبد الله رشدي عمة الأزهريين مصححًا معنى التابعي الذي ذكره إسلام، وكأن هذا هو لب الحديث، ثم استشهد بكلام إسلام في تعريفه للتابعي بأنه من ورث من الصحابة ما لديهم من علم، ليتخذه رشدي دليلًا على أن الإسلام علمًا كبقية العلوم بشهادة إسلام، ثم أمسك بكلمة "هم رجال ونحن رجال" مرددًا نفس الكلام الذي يردده كل الأزهريين كلما خرج لهم من لا يقبلون حديثه لِما جاء به من جديد على ما حفظوه وورثوه من آبائهم وأجدادهم قائلين: "لا يمكنك التحدث والاستنباط من الدين إلا إذا كنت على نفس قدر من سبقك من رجال السلف". 

والحقيقة أن مناقشة ما سبق من أمور أعده مضيعة للوقت، سواء من د.رشدي أو من الأستاذ إسلام. وأعجبني كثيرًا رد المحاور صاحب البرنامج، والذي قال: ما الفائدة التي تعود عليّ أنا من معرفة تفاصيل خاصة بالعلماء مثل هذه؟! لذا فلن أتطرق إلى تصحيحها أو معرفة المتسابق الفائز بجائزة التعريف الصحيح للصحابي أو التابعي، وهل الدين علم بمفهوم العلوم المادية أم علم بمعنى آخر؛ فلسنا هنا في محاضرة في قسم الحديث أو العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين.

ثم تطور الحوار إلى أمر آخر، وهو مناقشة ما يترتب على كلام إسلام من وجوب تفنيد التراث وإنكار ما ينكره العقل وما تنكره الفطرة السليمة التي خلقنا الله عليها والتي ينبغي ألا يكون الدين عكسها. وبدأ بما أورده القرطبي في تفسير الآية القرآنية "إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة"، ليقول بأن النعجة هنا هي المرأة؛ لأن المرأة "يكنى عنها بالنعجة والشاة لما هي عليه من السكون وضعف الجانب، كما يكنى عنها بالبقرة والناقة لأن الكل مركوب"! ثم أورد مثالاً آخر وهو تفسير الطبري لقوله تعالى "واللائي لم يحضْن"، من قول ابن عبد البر زاعمًا إجماع العلماء على جواز تزويج الصغيرة قبل الحيض دون مشاورتها.

بالنسبة لرد د. رشدي على تفسير القرطبي في معنى النعجة بأنه أورد تفسيرًا لغويًا فلا بأس بذلك، وإن كان أولى بعالم كالقرطبي أو غيره أن ينأى بنفسه عن ذكر تفسير يهين المرأة سواء كان لغويًا أو غير لغوي، وهو نفس مأخذ بعض المجددين على الأئمة سواء البخاري أو غيره ممن أوردوا في كتبهم أحاديث لا تليق بأن تنسب إلى النبي حتى وإن صح إسنادها لديهم. ثم جاء رد د.عبد الله على المسألة الثانية المتعلقة بإجماع العلماء على جواز تزويج الصغيرة غير البالغة دون موافقتها ولا علمها، ولنا هنا وقفة، فدكتور عبد الله رد بأن هناك ضوابط لإجماع الأئمة، ومنه إطاقتها لذلك عرفًا. وأعتقد أن كل عاقل سيقول "كيف لنا أن نضمن تطبيق كلمة "عرف" على كل عصر؟! هل الدين يضبطه ضابط لا يمكن تحديده بما يعاقب عليه القانون؟! هل مصير المرأة متروك لعرف كل جماعة تدعي أن عُرفها هو كذا أو كذا؟! ومن هم أهل العلم الذين سيقولون بأنها تطيق الآن؟! هل "أهل العلم والخبرة" الذين يتحدث عنهم دكتور عبد الله سيدرسون نفسية الطفلة وكيفية نظرتها إلى العلاقة الحميمية؟! أم أنهم سيسعون لإهدار براءتها بتثقيفها "جنسيًا" بالإجبار كي تتمكن من النضوج المبكر عقلاً والتفكير في هذا الأمر قبل أوانه كي ينطبق عليها شرط "الإطاقة"!! كلام د. عبد الله مردود عليه والضابط الذي ذكره ليس بضابط في الواقع، والإجماع بتفسيره هذا وشرحه هذا يدينه من كل الجوانب، بل ويؤكد على امتهان المرأة، فمن رضي بهذا التفسير أو رضي بقول المتسامحين منهم ممن قال بأنه يجوز العقد عليها دون الدخول بها، كلا التفسيرين يؤكدان على أن المرأة مسلوبة الإرادة منذ الصغر، وأنها مخلوقة لاستعباد الرجل لها يتحكم فيها كيفما شاء ويهدر مستقبلها الأُسري كيفما شاء ويدفعها دفعًا للعيش مع من شاء من قبل حتى أن تعرف هي معنى الحياة! ألا ما أبعد هذا عن الفطرة وعن العدل وعن أي دين وأي منطق عقلي بعيد عن الدين!

والكارثة الأخيرة في هذه المناظرة كانت في حق آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصدمتي التي جعلتني أحترم إسلام وأجزم بانتصاره على مناظرة الأزهري، حين قال إسلام أن سيدنا أبو بكر لم يثبت عنه الحرق، وأنه ينفي الأمر ذاته عن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب عليه سلام الله ورضوانه فيما نُسب إليه في البخاري. والعجيب والمثير للاستفزاز أن د.عبد الله رشدي أكد على صحة رواية البخاري، زاعمًا أن سيدنا عبد الله بن عباس الذي هو أقل منه في العلم - مع عدم إنكار علمه الغزير- هو من صحح له جريمة تهتز لها السماوات والأرض! وتعامل مع مسألة الحرق كما لو كان خطأ عاديًا في فرع من فروع الدين وليس إهدارًا لحياة البشر بأبشع وسيلة ممكنة، في الوقت الذي رد إسلام عن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب هذه الشبهة، مؤكدًا أن سيدنا عبد الله بن عباس الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يزال صغيرًا لا يمكن له أن يعرف معلومة كهذه وتخفى على أمير المؤمنين الذي هو من هو، والذي يعلم د.عبد الله أنه من أهل العباءة المطهرين، والذي تربى في بيت النبوة منذ صغره وزوّجه الله تعالى بنت النبي دون بقية كبار الصحابة الذين تقدموا لخطبتها. سيدنا الإمام علي الذي قال عنه الرسول "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها" لا يعرف أمرًا جللًا كحرمة حرق البشر! سيدنا الإمام علي الذي قال عن نفسه: "سلونى قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن شيء مضى ولا عن شيء يكون إلاّ أنبأتكم به، وفي قول آخر "سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلاّ حدّثتكم به، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما منه آية إلاّ أنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم بسهل نزلت أم بجبل". ابن عم رسول الله والذي اتخذه رسول الله أخًا له في المدينة دون بقية الصحابة، لا يعرف ما ذكّره به سيدنا عبد الله بن عباس!! أي عقل يصدق هذا وبأي منطق يتحدث هو ومن على شاكلته؟! ألا حسبنا الله ونعم الوكيل، وكأنه لا يكفي آل البيت أن يؤذوا ممن عاصروهم وممن أهملوا سيرتهم، لتستمر إهانتهم واتهامهم بالباطل على يد من يقول بأنه أزهري، فأين الأزهر المتصوف من رد هذه الشبهات عن آل البيت وعن الصحابة؟! ولم كان معظم المتخرجين في الأزهر يدينون بنفس الشيء؟! أين البصمة الصوفية في خريجي الأزهر؟! أين هي؟!

ورغم إعجابي الشديد بالثورة التي أشعلها إسلام بحيري، إلا أنني أجد في نفسي رغبة في دعوته إلى أن ينتهج مسلكًا أقل حدة في الهجوم على ما صار ثوابت يصعب تغييرها في نفوس العامة والخاصة. كسر الأشياء المادية يحتاج إلى أسلحة قوية، لكن كسر الأشياء المعنوية كالثوابت يحتاج إلى أسلحة فاعلة بعيدة عن القوة، سواء كانت اللفظية أم الجسدية. وبما أنك صاحب فكر تنويري جدير بالتفكر فيه والاستفادة منه، فعليك أن تراعي نفسية المخاطب، وأن تدرك أن للمستمعين مفتاحًا للدخول إلى عقولهم، وأن المنطق لا يكفي كأداة لذلك، بل عليك مراعاة نفسية المستمعين ومشاعرهم، وانتقاء الألفاظ قدر المستطاع. لا أتهمك أبدًا بأيٍّ مما زعموا كذبًا وبهتانًا، ولكني أطلب منك كأي مستمع أن تحاول ألا تتلفظ بما يدفع المستمع إلى رفض الإنصات لما تقول، إنكارًا للأسلوب وللألفاظ المستخدمة، كي تضيع الفرصة على أمثال المتحذلقين والمتصيدين، ولكي تجبرهم على الاستماع إلى منطقك والتفكير فيه رغم أنوفهم دون أن يجدوا في كلامك ما يستوقفهم ويأخذهم بعيدًا عن مرادك الحقيقي. فصاحب الهدف يبحث عن الطريق الأفضل للوصول إليه، وفي مجتمع عشتَ فيه وشهدتَ فيه رد الفعل على كلامك، عليك أن تراعيه وتراعي حساسية ما تربى عليه، أنت بحثت عن مواطن الجمال في الدين، وجعلت الجمال هدفك، فاسلك مسلك الجمال كي تصل إليه، فالجمال لا يمكن الوصول إليه من طريق قبيح، أو شبه قبيح. الجمال لا يُعرَف إلا بالجمال، فلا تُفسد حُسن منطقك بسوء اختيارك لـ"بعض" كلماتك.

وفي النهاية، أوجه رسالة للأزهر وأقول: من يستحق أن تصحح أفكاره يا أزهرنا؟! من يذب عن الدين كل ما يؤذيه ويرفضه العقل وتأباه الفطرة، ويؤكد على أن الإسلام لا يحتوي إلا على كل ما فيه معاني الخير والجمال؟! أم من يلصق به الجرائم والمكاره ويحاول تسويغها بتأويلات فارغة لا تمت للدين وللعقل بأي صلة؟! وهل تكفير الآخرين يحتاج إلى التلفظ الواضح؟! أم أن اتهامه بالإساءة للذات الإلهية وللإسلام وللقرآن لا يعد دعوة صريحة لاستباحة عرض المتهم وحياته؟! 

وأي خطاب ديني تدّعون أن الأزهر يحتاج إليه إذا كان الأزهريون أنفسهم يرون منهاجهم صوابًا لا غبار عليه؟! أم أنكم تظنون أن الحاجة إلى تغيير الخطاب الديني تتلخص في خفض الصوت وتجنب المسائل الخلافية؟! هل هذا هو تجديد الخطاب؟! الحقيقة أننا لا نحتاج إلى تجديده، بل إلى تغييره كلية، وتغيير طريقة وضع المناهج الأزهرية وطريقة التدريس وطريقة التفكير، ونحتاج إلى توسعة الآفاق، وأقول وبكل صراحة، إن كل ذلك لن يتم على يد أزهري يسير على النظام الأزهري، بل يحتاج إلى متمرد ثائر على كل ذلك، مؤمن تمام الإيمان بالتغيير الجذري لا بالتغيير السطحي الذي ينادي به معظم الأزهريين الذين يدّعون الانفتاح وهو أبعد ما يكون عنهم. وإذا أنكرتم عليَّ مطالبتي بتغيير الخطاب الديني كلية لا بتجديده فقط، سأقول لكم يكفي الأزهر تطرفًا أن يكون وكرًا للطلبة والطالبات والأساتذة الإخوان والسلفيين ممن تحاربهم الدولة اليوم، وممن بثوا في الآخرين معاني العنف الفكري الذي تطور للعنف اللفظي والحركي. يكفي الأزهر ذلك سببًا ليدرك رجاله أن المشكلة الحقيقية تكمن في المنهاج الذي تلقاه الطلبة والذي وُضع أمامهم بكل شوائبه فأخذه كلٌّ على هواه. 


يا أزهر، هل إسلام البحيري هو أول من تكلم في البخاري وفي إنكار بعض الأحاديث؟! أنسيتم الإمام محمد عبده والشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد رشيد رضا وكلهم تحدث في هذا الأمر؟! أم أنكم لا تقبلون هذا الكلام ولا تصمتون عليه إلا إذا كان المتحدث أزهريًا؟! هل أنتم بذلك تثبتون فكرة الكهنوت وأن الأزهر يحتكر الدين والحديث فيه؟! وكم عدد الشيوخ المعتدلين الداعين إلى روح الإسلام السمحة (بشكل عملي) بالمقارنة بأولئك الذين يقولون ما لا يفعلون؟! ولم ازداد عدد الملحدين دون أن يؤثر وجودكم في فكرهم بشكل يردهم إلى الدين؟! وحين جاء من يقنعهم بعيدا عن الأسلوب الأزهري الذي لم يؤثر فيهم حاربتموه بكل أسلحتكم؟! ثم أتتركون قنوات الرقص والابتذال وبرامجها التي تهدم ثوابت الدين والفطرة والأخلاق التي تخافون عليها، وتطالبون وتسعون لإغلاق برنامج يبحث في مسائل الدين ويوسع مدارك الفكر وآفاقه؟! أحرام على بلابله الدوح، حلال للطير من كل جنس؟!

يا أزهر، هناك مادة علمية تدرّس في كلية الدعوة وأصول الدين اسمها "مادة الدفاع عن السنة"، كان حري بكم أن تدرّسوا للطلبة مادة الدفاع عن الرسول وتنقيح السنة مما يسيء إليه. بل كان حري بكم أيضًا أن تخصصوا مادة باسم "محاربة التطرف الفكري" لتكون منهاجًا يصب في عقول وأفئدة الدارسين صبًا، لا أن تقدموا لهم كتب التراث كما هي دون أن تضعوا لهم أسس الاستنباط من كتب التراث بعيدًا عن علم السند المقدس. كان عليكم أيها القائمون على الأزهر أن تدرسوا للطلبة الكتب التي ترد على ابن تيمية وأمثاله ممن أساء لروح الدين السمحة، لا أن تكتفوا بقول أن المكتبات تكتظ بمئات الكتب للرد عليه.. المكتبات للتثقف والمناهج للتعلم، وشتان بين الاثنين. فإذا كان خريجو الأزهر الذين تدّعون أنهم هم أولى من يتحدث باسم الدين وأنهم أولو العلم والمعرفة، إذا كان هؤلاء قد صار معظمهم متطرفًا متشبعًا بالأفكار المتطرفة، حتى وإن ادعى بعضهم التوسط في بعض المسائل، فكيف لكم أن تطلبوا من الناس ألا يستمعوا إلى صوت غير أزهري يتحدث بالمنطق والعقل والحجة .. بل وبالدين؟!

ليلة الإثنين
12 أبريل 2015م
23 جمادى الآخرة 1436هـ