25‏/11‏/2011

وسقط القناع


في خضم هذه الأحداث أجدني مضطرة لأن أكتب إلى كل من يقرأ .. لمن كان له قلب يشعر به .. لمن كان له عقل يفكر به ... للكثير ممن يجلسون في بيوتهم لا يدرون ما يحدث في التحرير ويتسائلون في برود مستفز: "انتو ليه مصرّين على اسقاط مصر؟!! ثم انتو ايه اللي يوديكم لشارع محمد محمود؟!! م تخليكم في الميدان ... انتو كده بتلقوا بأيديكم إلى التهلكة.. وتستاهلوا اللي يجرالكم لانكم عاوزين تقتحموا الداخلية" ، والعجيب أن أسمع جزءاً من هذا الكلام من بعض من هم في التحرير.. هم لا يفهمون لماذا يقف الرجال (الأسود) في شارع محمد محمود!! لا ألومهم بل أحترم مجرد نزولهم للمشاركة حتى وإن لم يفهموا.. فقد عز عليهم أن يروا إخوة لهم تراق دماؤهم دون أدنى ذنب حتى وإن لم يفهموا سبباً لتواجدهم هناك .. لهذا وجدت من الواجب عليَّ أن أوضح لكل من يريد أن يفهم .. أما من لا يريد فأدعو الله أن يشغله بنفسه ويكفي مصر والمصريين شره..

ليعلم كل مصري لا يذهب إلى ميدان التحرير أن من في التحرير هم خليط عجيب من كل فئات الشعب المصري .. من أفقر فقير وحتى أغنى غنيّ .. كان أولهم أناس قرروا أن يعتصموا بمنتهى الاحترام والسلمية حتى تتحقق مطالبهم .. أتعرفون من هم؟ إنهم مصابوا ثورة يناير .. الذين كان ولا يزال المجلس العسكري هو وحكومته يدعون أنهم قد قاموا بإعطائهم حقهم كاملاً كذباً وبهتاناً .. هؤلاء هم شرارة اندلاع ثورة نوفمبر .. حين قرر مصابوا ثورة يناير الاعتصام يوم الجمعة الثامن عشر من شهر نوفمبر .. اعتصموا في منتصف الميدان بعيداً عن طريق السيارات والمارة .. حيث لا ضرر ولا ضرار ... ولكنهم فوجئوا بالغدر من كلاب المجلس العسكري حين هاجموهم ليفضوا اعتصامهم بالقوة .... كان من الممكن أن يظل الأمر على ما هو عليه دون أن يتطور إلى ثورة ثانية يحتشد الملايين من أجلها .. لكن الله تعالى أراد أن يزيد من غباء المجلس وحكومته ليميز الخبيث من الطيب .. لكي يكشف المجلس عن أنيابه .. وليرى العالم كله تواطؤ حكومة ضعيفة مع عسكر مستبد .. حكومة لم تستطع حتى أن تقدم استقالتها من أول مرة طالبها فيها الثوار بهذا بعد الاعتداءات المتكررة على الثورة والثوار من قبل العسكر وفلول النظام ..بل إننا كنا في كل مرة نرى أنباء برفض المجلس العسكري للاسقالة الوهمية والتي لو كنت مكان عصام شرف لتركت الحكومة كلها ونزلت التحرير كما وعدت الثوار على الرغم من رفض العسكر... لكن عصام شرف أثبت لنا أنه بلا شرف.. فقد خان شرف كلمته ووعده..

قامت ثورة التاسع عشر من شهر نوفمبر استكمالاً لثورة الخامس والعشرين من يانير "ليمحص الله الذين آمنوا".. لنعلم من الصادق ومن الكاذب.. من الذي يبحث عن مصلحة مصر ومستقبلها ومن الذي لا يبحث إلا عن مصلحته .. سقطت الأقنعة وأزيح الستار ليكشف لنا حقيقة كل من كان يتشدق بأنه مع الثورة وأنه من الثائرين .. فالكثير من الثوار كانوا يصرون على عكس ما كنا نقول ولم يصدقوا كلامنا إلا بعد يوم السبت الدامي.. التاسع عشر من شهر نوفمبر .. حين رأوا ردود أفعال التخبة والأحزاب والجماعات على جرائم الحرب التي يرتكبها العسكر ضد مصريين مسالمين غير مسلحين .. كنت أقول للإخوان ألا يبيعوا عقولهم لقيادتهم لأن القيادة لا تبحث إلا عن مقاعدهم في السلطة والحكومة ومجلس الشعب.. ولم يصدق (العقلاء) من الإخوان هذا إلا يوم السبت .... كنت أقول للسلفيين إن مشايخهم لم يكونوا يوما مع الثورة وأنهم لا يبحثون أيضاً إلا عن مصالحهم وأنهم يستخدمون الإسلام في هذا والإسلام بريء مما يقولون أو يفعلون .. لم يصدقني أحد منهم بل واتهموني بالليبرالية ومعاداة الدين رغم أني أزهرية أعتز بديني ولا أنتمي إلا له وأحاول تطبيق ما أراه يتفق وروح الدين ومبادئه ... لم يصدقوني إلا يوم السبت حين وجدت أحدهم يسير في ميدان التحرير وهو يضع على ظهره ورقة كتب عليها: "أنا سلفي .. لست تابعاً لأحد إلا لديني ثم حرية هذا البلد .. وأرفض بيان الدعوة السلفية المنبطح فقد كفرت بالأشخاص" .. كم احترمته رغم اختلافي مع فكره وطريقة تطبيقه للدين!! كم احترم كل شخص يرفض أن يبيع عقله لجماعة أو شيوخ أو حزب!!

سقطت الأقنعة .. وأيقنت أن المخدوعين قد أفاقوا من غيبوبتهم وانقشعت الغشاوة التي كانت على أعينهم ... فاطمأننت على مصر وأهلها .. ولكن بقي أمامي تساؤل الباقين من المصريين المتخاذلين الذين جلسوا في بيوتهم أو الفلول الذين يحاولون إظهار خوفهم على من هم في التحرير .. بقي تساؤلهم عن سبب تواجد (أسود الثوار) في شارع محمد محمود ... بمنتهى البساطة أقول لهم إن جنود الأمن المركزي والشرطة العسكرية التي ترتدي زي الأمن المركزي والزي المدني .. كل هؤلاء يتمركون في شارع محمد محمود والذي – بالمناسبة- لا علاقة له بوزارة الداخلية التي لا تقع في آخر هذا الشارع كما يتوهم البعض ... كل هؤلاء حين توافد الثوار بعد فض اعتصام مصابي ثورة يناير .. قاموا بالاعتداء عليهم من هذا الشارع وألقوا عليهم القنابل المسيلة للدموع وصوبوا ضدهم الخراطيش والخرز .. فاضطر أسود الميدان من المتظاهرين إلى الاحتشاد في شارع محمد محمود لحماية بقية المتظاهرين في الميدان .. يقومون بهذا بالتناوب حتى يمكنهم الصمود طول اليوم .. لا يملكون سلاحاً يردون به على أوغاد (إرهاب) الدولة والشرطة العسكرية سوى الحجارة .. الحجارة التي يستطيع الأمن المركزي بمنتهى السهولة أن يصدوها بدروعهم التي يمسكونها في أيديهم .. ولن تؤذيهم حتى بدون الدروع لأنهم يرتدون خوذات تقي رؤسهم .. في حين أن أغلب المتظاهرين لا يرتدون شيئا على وجوههم ولا على أعينهم ولا على رؤوسهم إلا القليل ممن استطاع أن يبتاع أقنعة الكربون التي لايمكنها حماية أنف مرتديها من أثر دخان قنابل الغاز التي تبقى عليهم وإن كانت تخفف من ضررها .. هؤلاء العزل تلقى عليهم القنابل فيستنشقون رائحتها ويختنقون فيموتون أو ينقلون إلى المستشفى الميداني.. تصوب على أعينهم وأجسادهم الخراطيش فيتلقونها بشجاعة ويسقطون جرحى أو فاقدي البصر .. وأخيراً يصوب ضدهم الرصاص الحي فتسقط أجسادهم وترتفع روحهم إلى عنان السماء شهداء الحق والحرية .. وبعد كل هذا تتسائلون لماذا هم في شارع محمد محمود؟!!!

بالأمس .. قام شيوخ محترمون من الأزهر بفصل المتظاهرين عن قوات (الإرهاب) المركزي، طالبوا قوات الإرهاب بوقف ضرب المتظاهرين مقابل أن يتوقف المتظاهرون عن رشقهم بالحجارة (التي لا أجد ضرراً في ضربها على قوات مسلحة ومدرعة) .. وبعد تنفيذ الاتفاق أذن لصلاة المغرب فوقف مشايخ الأزهر ومعهم بعض المتظاهرين للصلاة خلفهم .. وفجأة سُمِعتْ أصوات إطلاق قنابل غاز على المتظاهرين مرة أخرى .. قال البعض أن سببها سب بعض المتظاهرين لقوات الإرهاب وإلقاء الحجارة عليهم .. في حين قال آخرون أن الإرهاب المركزي هو من غدر بالثوار دون أي اعتداء عليهم من المتظاهرين.. وأنا أجد في الحالتين غدراً بالثوار .. فلا السب ولا قذف حجارة (عديمة المفعول) يكون الرد عليها بضرب القنابل والرصاص المطاطي والخرطوش ... فالحجارة بالنسبة لجنود الإرهاب المركزي ليست إلا كمخدة قطنية ألقاها شخص على آخر فرد عليه الآخر بلكمة في وجهه وعينه .... من المعتدي؟! من الإرهابي؟! من معه القوة؟! من معه السلاح؟! من بيده قتل الآخر وفقء عينه؟! من بيده قنابل غاز؟! هل هم المتظاهرون؟! أفلا تعقلون؟! أفلا تتفكرون؟!!

وهكذا عاد الاعتداء على المتظاهرين .. لن أسميه الاشتباك .. فالاشتباك يكون بين طرفين متساويي القوة ، أما ما يحدث في ميادين مصر فهو اعتداء من مسلحين بالقنابل والرصاص الحي على متظاهرين عُزَّل لا يملكون سوى حجارة لن تؤذي من يمسك في يده درعاً ويرتدي فوق رأسه خوذة واقية .. ويتواصل الاعتداء من قبل جنود الإرهاب المركزي برعاية المجلس العسكري.. يتواصل صمود أسود التحرير أمام الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز ...
لوحة يكسوها دخان القنابل وتلونها دماء الشهداء .. لوحة حية بحياة المتظاهرين بأجسادهم .. والشهداء بأرواحهم التي ترفرف فوق ميدان الحرية والكرامة .. ليس في القاهرة وحدها ولكن في كل ميادين مصر .. فهناك في الإسكندرية والسويس والإسماعيلية ودمياط والمحلة لوحات أخرى بديعة تتجسد فيها بطولات بعيدة عن أضواء الإعلام .. إنهم أسود مصر .. حراس مصر .. أبناء مصر الحقيقيون الذين لا يكترثون لحاكم ولا يبحثون عن سلطة .. وإنما يبحثون عن وطن لم يحكمه حتى الآن إلا كل مرتد لقناع يخفي به قبح وجهه ...... والآن يا مصر قد سقط القناع عن الجميع.. عن العسكر والأحزاب وكل كاذب أفاك..فلتتأملوا الوجوه القبيحة إن شئتم أن تعرفوا حقيقتها .. أو لتغضوا بصركم حتى لا تروا جبنكم .. ولتقنعوا أنفسكم أن ثوار مصر (بلطجية) و(فوضويون) لا يريدون لمصر الاستقرار.. اقنعوا أنفسكم أننا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة .. فلتقنعوا أنفسكم بما شئتم ، فأعينكم - حين تغضون الطرف عن بغي وطغيان العسكر - عمياء لا تبصر .. ولتتركونا في الميدان نهدي أعيننا لوطن عز علينا أن يفقد بصره سنين طويلة .. دعونا وشأننا لتبصر مصرُ الحرية بأعيننا .. ولتواصلوا بحثكم عن مقاعد برلمانية .. فنحن نبحث لأنفسنا عن مقاعد للحرية والكرامة والعدالة.. فإما أن نحصل عليها وإما أن نحصل على مقاعدَ صِدْقٍ عند مليك مقتدر.

أميمة الشاذلي

الخميس: 24/11/2011م

28/12/1432هـ