28‏/04‏/2005

دموع الكروان





كل شيء حوله جميل..
يوحي بالهدوء..
والجمال..
والمستقبل المشرق..
والأمل في الحياة..
أصدقاؤه حوله.. وهو يلعب معهم..
ما أجمل هذه الحياة!..
كل شيء فيها حلو جميل، ولا يؤرقه سوى أخوه الأكبر عندما يخفي لعبه عقاباً له على خطئه في حقه أو إخفائه لأحد كتبه..
هذا هو همُّه الوحيد..
همٌّ يناسب عقله الصغير..
"لابد من إيجاد الحل.. نعم.. لابد أن أبحث عن مكان مناسب أخفي فيه ألعابي.. فلا يستطيع أحد الوصول إليها".. هذا هو ما دار في عقله الصغير..
أخذ يفكر ويفكر حتى وجد الحل...
نعم..
تحت السرير هو أنسب مكان للعبه.. لن يستطيع أخوه معرفة هذا المخبأ..
"هكذا أستطيع أن ألعب مع أصحابي وأنا مطمئن" .. تنهد في ارتياح بعد أن خبأ لعبه..
أغلق باب غرفته وخرج.. وما إن خرج حتى سمع جرس الباب يدق.. جرى نحو الباب وفتحه بكفه الصغير..فإذا والده يحمله ويقبله..ثم يعطيه الحلوى التي يحبها..
"شكراً يا أبي الحبيب.. أنا أحبك كثيراً".. هذا هو ما استطاع قوله.. ثم ابتعد بحلواه المفضلة كي يفتحها بعيداً عن عينيْ أخيه..
إنه يخاف أن يأخذ منه أخوه قطعة منها.. هكذا سيأكلها وحده..
نظر إلى الحلوى.. وهمَّ بأن يفتحها..و...
وفجأةً..
استيقظ...
استيقظ على صوت رصاص..
ذاك الرصاص الذي يبغضه؛ لأنه ينغص عليه حياته دائماً..
يا إلهي!..
كم كان حلماً ممتعاً!..
ليتني بقيتُ فيه للأبد..
تمنى لو أنه استيقظ على صوت أمه الحنون..وهي تناديه بصوتها الهادئ العذب..
تمنى حتى لو استيقظ على صوت أخيه يعاتبه على إخفاء كتاب له،أو أحد أغراضه كما كان يفعل معه دائماً كلما وجده لا يلعب معه أو مشغولاً عنه..
ولكن..
وآه من لكن..
لا مجال هنا للأمنيات..
ولا للأحلام..
لا مجال هنا سوى للواقع..
الواقع فقط..
وعليه أن يتعايش معه...
أخذ يتذكر الوجوه الصغيرة..
والابتسامات البريئة..
والألعاب الجميلة..
كل ذلك ذهب مع الريح..
ريح الماضي الجميل..
الذي ذهب معه كل شيء جميل.
أخذ ينظر حوله..
إنه لا يرى سوى مخيم مكتظ باللاجئين.. ولا يعرفه سوى أخوه..
انحدرت دمعةٌ من عينيه البريئتين..
أين أبي وأمي؟..
لا أدري..
ولكنه يذكر أن أخاه قال له ذات مرةٍ أنهما في السماء.. في الجنة.. التي لا يرجوا فيها المرءُ شيئاً إلا وتحقق له..
كم يتمنى لو ذهب إليهما هناك!
بالتأكيد سيجد هناك الحلوى التي يحبها، والدمى التي يحب أن ينام إلى جوارها...
ارتجف جسده الصغير كالعصفور المبتل عندما سمع صوت رصاص قريب من مخيمه..
كم يكره هذا الرصاص وصوته المخيف المزعج!..
ذاك الصوت الذي بدد أحلامه..ومن قبل قتل أمه وأباه.. ومنعه من أن يعيش طفولته كباقي أطفال العالم...
وانحدرت من عينيه دموع...
وفي هذه المرة لم تكن دموع حزن فحسب..
وإنما هي دموع ضعيف مقهور.. لا يملك من أمره شيئاً...
دموعٌ انحدرت من عينيه البريئتين الحزينتين اللتين تقولان:
"أنا طفل.. ومن حقي أن أعيش مثلكم يا أطفال العالم"...


أميمة الشاذلي
الصف الثالث الثانوي