31‏/05‏/2013

مسلسلُ الغباءِ السياسيّ


حين قام بعض من كانوا يشغلون أعلى المناصب في الدولة أيام الرئيس الراحل محمد أنور السادات "رحمة الله عليه" بتقديم استقالاتهم معتقدين أنهم بذلك سيحرجونه ويؤلبون الشارع ضده، ما كان من السادات إلا أن قبل استقالتَهم وأمر بالقبض عليهم قائلاً عبارته الشهيرة: (دول لازم يتحاكموا بتهمة الغباء السياسي)!
وكم من المسئولين لدينا من يستحق المحاكمة بنفس هذه التهمة!!

لا أدري حقاً من يُصدّر لنا في الإعلام وفي المشهد السياسي شخصياتٍ أقل ما يقال عنها إنها شخصياتٌ تتسم بالغباء السياسي. ولكن يبدو أن كل طاغية حكم هذا البلد على مر تاريخ مصر العريق كان هو أو من حوله أو جميعهم يعانون من الغباء السياسي بشكل أو بآخر .. ولن أتحدث هنا عن التاريخ البعيد، بل سأتحدث عن الماضي القريب .. فقد لمسنا جميعاً هذا الغباء السياسي منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، حين خرج علينا بعض المسئولين في الإعلام ليزيدوا الطين بلة بدلاً من تهدئة الموقف .. ونحن نشكرهم على غبائهم السياسي فلولاه لما تمكنا من خلع الرئيس السابق محمد حسني مبارك ..
هو نفس ذاك الغباء السياسي الذي جعل نائب الرئيس المخلوع/ عمر سليمان يقول في حوار مع إحدى القنوات الفضائية الغربية
: "Egyptians are not ready for democracy"، كما لو أن المصريين ليس فيهم من يستطيع فَهم اللغة الانجليزية والتحدث بها أفضل مما يتحدث سيادته بها، أو "ويكأن" المصريين لا يتابعون كل ما يتعلق بهم في إعلام الغرب!

ثم نعود لنشاهد صورة أخرى من الغباء السياسي "لا حرم الله مسئولينا منه" حين خرج علينا رئيس الوزراء السابق/ الفريق أحمد شفيق ليحدّث المتظاهرين المتواجدين في ساحة الميدان عن توزيع (البونبوني) في مشهد كان يستحق وجود شخصية مثل "اللمبي" للرد عليه، ثم يطل علينا مرة أخرى في صورة المرشح الرئاسي المحتمل - الذي من المفترض أن يسعى لكسب الجماهير ولو كذباً-  ليحدثَنا عن قمع كل من تسول له نفسه الخروج عليه وأن ما فعله المجلس العسكري في العباسية كان مجرد "بروفة"!!
ويتجلى لنا هذا الغباء السياسي في أبهى صوره في عهد أمير المؤمنين وزعيم الأمم من الإنس والجان محمد مرسي العياط! فمنذ بداية الانتخابات وقبل أن يكسب تلكم الجولة الرئاسية "المنيلة" نجده هو بذاته يخرج علينا ليتحدث عن طائر النهضة الذي له (رأسٌ وجناحان ومؤخرة!)، ولاشك في أننا جميعاً لمسنا في هذا التشبيه بلاغةً ما بعدها بلاغة .. أو بلاهة!

وبعد أن نُصِّب مرسي أميراً للمؤمنين نجده بدلاً من أن يحاول استقطاب المعارضة وكسبهم في صفه لنحاول معاً تجاهل تلك الغصة في حلوقنا نتيجة وصول طائر النهضة إلى سدة الحكم، نجده بدلاً من ذلك يفتح علينا بالوعة مقززة من كائنات شيطانية خرجت علينا لتدفع الناس دفعاً لا إلى كراهيته هو وجماعته وحسب، ولكن لكراهية كل من يتحدث باسم الدين، بل وصل الأمر لدى البعض إلى كراهية الدين نفسه!

وبعد استعداء الأزهر والقضاء والأمن والإعلام والثوريين ورجال السياسة والمعارضة على مرسي وجماعته .. نجد حكومته المُسَنْفرة (مشتقة من سنفور مفرد سنافر) تفاجىء المصريين بزيادة في الأسعار مع قطع الماء والكهرباء يومياً في نفس الوقت الذي يخرج علينا فيه رئيس وزراء السنافر هشام قنديل ليحدثنا عن لم شمل العائلة تحت شعار قطونيل لكل مواطن!
وحين أتحدث عن الغباء السياسي لا يمكن أن أنسى ذكر قضية غاية في الأهمية طرحها السنفور (قطونيل) ألا وهي قضية الرضاع وإسهال الرُضّع، بالإضافة إلى الاغتصاب الذي تتعرض له سيدات بني سويف حين يخرجن إلى الغيظان.. وكأن شرف الفقراء لا ثمن له في وجهة نظره أو وكأنه يظن أن رجال بني سويف "بقرون"!

المزيد من الغباء السياسي نجده مع ذلك (العريان) حين لم يطاوعه قلبه (الرُّهَيّــف) كي يترك اليهود "الغلابة" مشردين في إسرائيل، ليطالبهم بالعودة إلى (بيتهم ومطرحهم) مصر! بل وعين نفسه محامياً عنهم مدعياً استحقاقهم تعويضات، وفي استكمال لهذه الحلقة من سلسلة الغباء السياسي نجد خرفان اللجان الإلكترونية – مع الاعتذار للخروف أبو صوف- تشرح لنا مدى عبقرية هذا التصريح وأن فيه الحل الجذري للقضية الفلسطينية!!!

ناهيكم عن خَطابات أمير المؤمنين الهمام التي يُتحفنا بها بين الحين والآخر "الحين ده اللي هوَّ كل يوم تقريباً" والتي يتحدث فيها بأسلوب وكلمات تستحق أن تستعين بها قنوات الكوميديا المصرية لبث البهجة في قلوب المشاهدين والمستمعين. ولا أدري في الحقيقة من ذلك العبقري الذي علمه أسلوب الحديث، أو من ذلك الخرافي الذي يكتب له خَطاباته. ولكني في النهاية أجد أن تصريحات أمير المؤمنين إلى جانب تصريحات من عيَّنهم أو من أطلقَهم علينا في وسائل الإعلام تنتمي إلى ذلك النوع من الغباء السياسي الذي يُعد صديقاً للبيئة .. فلولاهُ لما كان لحلقاتِ باسم يوسف طعمٌ أو لونٌ أو رائحة!

والحديث عن الغباء السياسي في عصر النهضة الإخوانية يطول، خاصة لو تحدثنا عن غباء أولئك الذين يمأمئون (من مااااء) رداً على كل تصريح لرئيسهم أو لأحد مسئوليهم ليشرحوا لنا مدى عبقرية كل قرار وكل تصريح غبي حتى لو كانت تلك التصريحات يناقض بعضها البعض.. المهم أن مسئوليهم لا يخطئون أبداً بل إن العناية الإلهية تبارك خطاهم .. كل ذلك (بما لا يخالف شرع الله) الذي لم يعرفوه حقاً كي يتحدثوا باسمه وباسم شريعته.. ولكنني لا أعيب على الصغار فغباؤهم السياسي مستمدٌ من غباء كبارهم.. وكما قال المثل العربي "الولد سر أبيه" .. وهذا لا يُنسينا الحكمة المصرية الشهيرة التي تقول: "متخافش من الهبلة بس خاف من خِلفتها".. مع التأكيد على أن أصحاب الحق لا يخافون لا من "الهبلة" ولا من "خِلفتها".

وأخيراً وليس آخراً وفي أسمى آيات الغباء السياسي يخرج علينا أمير المؤمنين ليصرح بأن حصتنا في نهر النيل لن تَنقص إذا بُني سد النهضة الأثيوبي، في نفس الوقت الذي ينبري فيه آخرٌ بأن السد لن يؤثر على حصة مصر من المياه ولكنه ربما يؤثر على الطاقة "حوش الطاقة والكهربا اللي مغرقة البلد بأنوارها" ، في نفس الوقت الذي يخرج علينا قنديل مصر ليصرح بأننا في انتظار التقرير الفني الذى سيقدم من اللجنة الثلاثية من مصر والسودان وإثيوبيا، وأن هناك تنسيقًا كاملًا مع جمهورية السودان فى هذا الشأن ( وماذا عن إثيوبيا أصل المشكلة ومنبع النيل؟!).. وفي نفس ذات التصريح قال إن إجراءات إنشاء سد النهضة بدأت منذ فترة ولا تعني موافقة مصر على إنشاء السد... تصريحاتٌ كل منها "ينطح" الآخر .. ولا تخرج قبل أن تقول: سبحان الله!
وفي ظل هذه الأزمة التي تنذر بكارثة جديدة بيئية واجتماعية وأمنية مأساوية، يناقش مجلس الشورى "اللي مش إخوان أبداً" تحريم فن الباليه لأنه فنٌ عارٍ .. كما لو أن مشاكل مصر قد انتهت ليبحثوا قضية مهمة تؤثر في أخلاق الشعب المصري "البايظة" ألا وهي قضية فن الباليه الذي  لا يعرف عنه أغلب المصريين شيئاً سوى أنه فنٌ تقدمه الأوبرا، ولا يحضره إلا قليل من المثقفين لا يتعدى عددهم 5% من عموم الشعب المصري – هذا لو وصل العدد إلى هذه النسبة أصلاً.. متجاهلين في الوقت ذاته مئات المراقص التي تملأ البلاد والتي حصلت على تجديد لترخيصها لمدة ثلاثة أعوام في عصر النهضة بدلاً من عامين كما كان الوضع في عهد المخلوع!
ولا عجب حين نجد وزير الثقافة الإخواني خلال أيام قليلة فقط يقدم محضراً ضد إيناس عبد الدايم رئيس دار الأوبرا لإخراجها من الأوبرا كفنانة، هذا بالإضافة إلى ما تردد من أنباء حول إنهاء انتدابها كرئيس للأوبرا، في محاولة لأخونتها بشكل أو بآخر .. ولا أدري إذا تمت أخونة الأوبرا ماذا عسانا أن نشاهد فيها غير أوبرا (العريان) برعاية حملة (تجرد) التي دعا إليها بطل الإرهاب والسلام عاصم عبد الماجد عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية والمتهم رقم 9 في قضية اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات رحمه الله . ويا زين ما اخترتم!!

كانت هذه بعض حلقاتٍ من مسلسل "الغباء السياسي" قدمناها لكم من قناة النهضة الإخوانية.
ويستمر المسلسل يومياً رغم الخطر الذي يحدق بهم من بركان أوشك أن ينفجر في وجوههم .. وما زالوا يـصرون على سياستهم التي تُذكي نار الثورة داخل شعب كان من الممكن تهدئته بعض الوقت .. الأمر الذي يجعلنا نتأكد أن "الغباء السياسي سرطانٌ يتسرب بين المسئولين .. 
ويتوغل ..
وينتشر ..
ويستمر ..
ويستمر ..
ويستمر
الجمعة: 31 -5 - 2013 م
21 - 7 - 1434 هـ