22‏/03‏/2015

روح مارس



في مثل هذا الوقت والتاريخ من العام الماضي..
ظهيرة اليوم التالي لعيد الأم عام 2014م
دخلت على ماما أميمة بشقتنا في سيدي جابر
لم تكن تعلم أني قادمة، وكانت تحسبني خالي أحمد الذي كانت تنتظره ليأخذها إلى الطبيب بعد أن ثَقُل المرضُ على رئتيها ولم تعد تتنفس بشكل طبيعي
دخلت عليها وأنا أحمل في يدي هديتنا لها .. تابلت كبير
اختارته أختي أكبر من ذاك الذي اختارته لأمي؛ لأنها كانت واثقة في أن الحجم سيجعلها تشعر بالتميز الذي نريدها أن تشعر به ولو لمرة واحدة قبل أن يختطف القدر جسدها من بين أحضاننا
كما أن عيد الأم يلي عيد ميلادها الذي يوافق التاسع عشر من الشهر ذاته
كنا نعلم جيدًا أنها لن تتمكن من استخدامه وحالتها الصحية في تدهور
كنا نعلم أن حالتها قد تدهورت إلى وضع لا يمكّنها من الاستمرار، وأن نهاية رحلة جسدها الذي أنهكه المرض وهدّه الزمن قد صارت قريبة
دخلتُ عليها فهتفتْ في إعياء: أحمد، انت جيت؟!
فأجبتُها مغنية: يا رب يخليكي يا أمي يا ست الحبايب يا حبيبة يا حبيبة يا حبيبة وحبيبة
فوجئتْ بي في وجهها .. ورأيتُ شبح ابتسامة على شفيتها
ليست كما اعتدتُ، تتلقاني مهللة بحماسِ من ربح جائزة أمام جمهور غفير
كانت فَرِحةً بحضوري؛ لكن فرحتها كانت مكسورة
قبّلتُها واحتضنتُها وقلت لها: كل سنة وانتي طيبة يا أحلى ماما في الدنيا والسنة الجايه تبقي ف وسطينا وانتي بصحة وعافية
كنت أكذب .. لكني حاولتُ أن أقدم كذبتي في صدق..
تلقفت كلمتي بهمهمات غير مبالية، ونظرت إلى «التابلت» الذي أحضرته
قلت لها: على فكرة .. بتاعك أكبر من بتاع ماما وفيه حاجات مش موجودة عند ماما كمان
لا أستطيع أن أصف تلك الروح التي تلقتْ بها هذه الكلمات.. كانت كطفلة مريضة، فرحةً لأن دميتها أكبر من دمية أختها، لكنها لا تستطيع اللعب بها لأنها طريحةَ الفراش
وتأكدت من هذه الروح داخلها بعد أن وجدتها -فيما بعد- تؤكد لخالتي إيمان أن «التابلت» الذي أهديناها إياه أكبر من حجم نظيره الذي تملكه خالتي التي أنعم عليها القدر بأن أبقاها إلى جوارها في السنتين الأخيرتين من عمرها
سألتني: حتيجي معايا للدكتور؟!
أجبتها بحماس: طبعًا . أنا راشقة معاكي مطرح م تروحي .. مش حسيبك
وذهبنا معاً
وابتدأ مشوارها في عنبر الأورام
وبدأت روحي رحلة العمر الذي بلغ منتهاه
كل يوم قضيته معها، كان بسنة من عمري
من الـثاني والعشرين من مارس وحتى الـثالث عشر من مايو
رحلة طريقها أشواك في حضن الورد الذي قرر أن يغلق عليه أوراقه للمرة الأخيرة
رحلة تفاصيلها تركت آثارها على روحي كما يترك الزمن بصمته على ملامح الوجه
روحي التي تلقت وفاتها بين يديّ في هدوء أم هدهدت طفلها حتى راح في سبات عميق
كابحةً بركان أحزان ما زال يحاول الثورة عليّ وفيّ حتى اليوم
روحي التي لا تزال تحتتضنُ روحها التي لم تفارقني يومًا
كيف لا وأنا سَمِيَّتُها .. أميمة
ظهر الأحد

22 مارس 2015م