05‏/06‏/2011

يونيو .. شهر الصحوة






أحاول دائماً قدر المستطاع أن أتأمل الأحداث من حولي بفكر أعمق مما تبدو عليه الأمور .. فمنذ ثلاث سنوات كتبت مقالاً عن الخامس من يونيو أسترجع فيه ذكرى ما حدث في هذا اليوم لأثبت من خلال تسلسل الأحداث أن هذا اليوم لم يكن هزيمة لنا .. بل صحوة حقيقية من غيبوبة مقيتة ، واليوم ومع توالي الأحداث أجدني أتأمل مرة أخرى الذكرى الأولى لاستشهاد خالد سعيد .. تلك الوردة التي اعتصرتها ومزقتها قبضة وحشية تأبى إلا أن تشوه كل جميل ، وتسكت كل صوت يصدع بالحق ، ولكن يشاء اللطيف الخبير أن تحتال الوردة إلى بركان يثور في وجه الطغاة .. بركان أخرج من باطنه المعدن الحقيقي للإنسان المصري .. معدن خلقه الله مكوناً أساسياً لبنية خير أجناد الأرض.. إلا أنه يحرق كل من طغى وتجبر وأراد تطويع هذا المعدن لإرادته طمعاً في الإبقاء على عرشه وسلطانه .
تلك اليد الغاشمة التي قتلت خالد سعيد أرادت أن يكون يوم السادس من يونيو هو يوم الخوف .. الخوف الذي أرادته أن يكبر بداخلنا أكثر فأكثر ..فيمح داخلنا بقايا التمرد ويجبرنا على الطاعة التامة فيحتال الحرعبداً ذليلاً . ذلك الخوف الذي سكن قلوبنا طويلاً طويلاً حتى ظن كل منا أن "خير أجناد الأرض" ما هي إلا وصفاً لماضٍ ولَّى ولن يعود .. وأن المارد العربي ما هو إلا أكذوبة كبرى من الأكاذيب التي استرقها الحاضر من ماضيه المجيد ليواري بها سوأة واقعه المرير، ولكن شاء مغير الأحوال أن يخيب ظننا ، وأن يحتال الخوف إلى بركان غضب ثار في وجه كل جبار على أرض الكنانة ، وامتد ليثور في وجه كل طاغية في أنحاء العالم العربي.
بالطبع لم يكن خالد سعيد رحمة الله عليه هو سبب الثورة ، ولكنه كان القشة التي قصمت ظهر البعير .. كان شعلة (أولومبياد) الحرية والكرامة ..كان ملهم ثورة التحرير.. كان شمعة أضاءت ظلمة الليل في قلوبنا ، وأذابت الخوف في نفوسنا . كان خالد سعيد هو اليد التي فركت مصباح (عماد الدين) فأخرجت منه المارد المصري ..
عفواً .. لم يخطىء قلمي في الكتابة حين قال (عماد الدين) ، فنحن خير أجناد الأرض الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم في رباط إلى يوم القيامة .. أولسنا عماد الدين بل وعلاءه أيضاً؟!!!
غداً هو يوم السادس من يونيو ذكرى استشهاد خالد سعيد .. واليوم هو الذكرى الرابعة والأربعون ليوم الخامس من يونيو 1967م .. وحين تأملت كلتاهما وجدت قاسماً مشتركاً بينهما .. ألا وهو شهر يونيو/ حزيران .. ووجدت أن هذا الشهر مع اختلاف الزمان كان شهر اليقظة والصحوة التي أعقبها نصر من الله وفتح قريب .. تماماً كصلح الحديبية الذي ظنه المسلمون شراً فكان فتحاً مبيناً..
ولكم من ضالّ كانت هدايته صفعة أهداها إليه والده أو معلمه وقلبه يتمزق ألماً إلا أنه كان يعلم أن هذا هو الدواء الناجع الذي سيكون شفاء لسقمه ، ثم أتاه هذا الابن الضال ليشكره على صفعته التي كانت سبباً في تغيير حياته للأفضل .. أفلا يستحق شهر يونيو منا الاعتراف له بالجميل؟! إن اعترافنا بالجميل لا يكون باجترار أحزان الماضي وارتداء ثوبها الأسود، ولكن بابتسامة فرح كتلك التي يرسمها الطالب الناجح على محياه وهو يشاهد نتيجة امتحانه.
آن الأوان لكي يخلع حاضرنا ثوبه الأسود ، وأن يرتدي ثوباً لونه كلون شمس النصـر التي تشرق على مصـرنا من جديد ..
آن الأوان لكي نمحوا من قاموسنا كل مصطلحات السلبية التي مُنينا بها ..
آن الأوان لكي نغير حاضرنا بأيدينا..
في هذا الشهر كانت صفعة الخامس من يونيو .. والتي كانت سبباً في نصر السادس من أكتوبر..
وفي هذا الشهر كان استشهاد خالد سعيد .. والذي كان سبباً في نصر الخامس والعشرين من يناير..
فشكراً لخالد سعيد..
وشكراً لكل شهيد ..
وشكراً لشهر يونيو .. شهر اليقظة .. لا شهر الأحزان ..
والحمد لله .. رب الشهور.. وموقظ الضمائر ..
وواهب النصـر .. لكنانته مصر.

أميمة الشاذلي
الخامس من شهر يونيو 2011م
الثالث من شهر رجب 1432هـ

http://omaymahashathily.blogspot.com/

هناك 3 تعليقات:

  1. nice article omayma...really olymbyad el7oria

    ردحذف
  2. كلام رائع ومقالة لها ثقل تاريخى وسياسى ودينى وينم على وعى زادرك لحقائق الامور والترابط الممنهج فيها منطقى جدا جزاكى الله كل الخير

    ردحذف
  3. الله مع اروع مقالاتك يا اميمة. محمد الصادق

    ردحذف