28‏/12‏/2011

ثورتنا حُسَينيَّة


في المحرم من كل عام أسترجع ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه وعلى جده وآله أفضل صلاة وأتم تسليم .. أسترجع تلك الذكرى الأليمة التي لم أجد في التاريخ ما هو أكثر إيلاماً ولا بشاعة منها .. مسلمون – أو من يدعون الإسلام – يقتلون بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
أسترجع تلك الذكرى فيعتصر قلبي ألماً وكمداً وحزناً .. واليوم وبعد مرور قرابة العام الهجري على ثورة الخامس والعشرين من يناير ، ومع حلول شهر محرم لأول مرة بعد الثورة ، أجدني لا أستطيع أن أبعد عن عقلي فكرة المقارنة بين ظروف استشهاد سيدنا الحسين وبين واقع ثورتنا المرير.. بالطبع لست أقارن بين شخص حفيد رسول الله وبيننا ولكني أقارن حاله بحالنا ..


لمن لا يعرف.. فالإمام الحسين لم يخرج محارباً اليزيد عليه لعنة الله ، ثورة الإمام الحسين كانت ثورة سلمية .. خرج من مكة المكرمة لا ليقاتل بل ليبتعد عن بيت الله الحرام الذي يعلم مدى حرمة القتل فيه ، وليس أي قتل .. إنه قتل حفيد رسول الله في بلد الله الحرام وفي الشهر الحرام .. فيا لها من حرمة مغلظة .. حرمة الشخص والمكان والزمان ...
حين خرج سيدنا الحسين من أرض مكة لاقاه سيدنا عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ليسأله ألاّ يخرج ليُقتَل .. فأجابه سيدنا الحسين: "لأن أقتل في مكان كذا وكذا
أحب إلي من أن أُقتَل بمكة" .. كان يعلم أنه سوف يستشهد ، فالظروف التي يحياها لا تبشر إلا بالشهادة التي وعدها به جده عليه وعلى آله أفضل صلاة وأتم تسليم ، فآثر أن تنتهك حرمته خارج البلد الحرام على أن تنتهك داخله .. خرج ليكون وسط قوم آخرين كان من المفترض أن ينصروه إلا أنهم خانوه وتركوه يواجه اليزيد وزبانيته .. تماماً كحزب الكنبة الذي تركنا للمجلس العسكري الذي خان ثورتنا وبدلا من أن يحمينا تركنا نتخبط يمنة ويسرة بين بقايا نظام بائد هو جزء منه وبين مخاطر خارجية ، ولم يكتف المجلس بهذا بل قام بقتلنا وحبسنا ومحاولة تكميم أفواهنا ، وبعد كل هذا أشاع أن كل من أمسك حجارة وقذفها على أفراد الإرهاب المركزي وأن كل من استخدم سلاحاً لرد العدوان هو (بلطجي) وأنه خالف سلمية الثورة ويستحق الموت والتشهير به!!!!

ويحكم يا لكم من ضالين مضلين!! جعلتم الكثير يقتنع بترهاتكم .. تماماً كما يقول البعض ممن ينتسبون إلى الإسلام – والإسلام بريء منهم - : إن الإمام الحسين مخطىء لأنه خرج على الحاكم الذي هو اليزيد!! تبت أيديهم ولعنوا بما قالوا .. بل هو ثائر للحق وبالحق واستشهد في سبيل الحق ورسول الحق أسماه "سيد شباب أهل الجنة" .. جميعنا يعلم أن الخروج على الحاكم أمر يسبب الفتنة ، فكيف لسيد شهداء أهل الجنة أن يكون من أهل الفتنة؟!!!! اتقوا الله يا من تَلبِسُون الحق بالباطل!
وما أشبه الليلة بالبارحة! فما قيل عنه هو وأتباعه قيل عن ثوارنا الذين ما خرجوا طمعاً في سلطة ولا جاه ولا منصب وإنما خرجوا ليقولوا كلمة الحق .. ليطالبوا بتطبيق العدالة الحقيقية لا العدالة العرجاء.. خرجوا ليصححوا كفة الميزان المعوج .. كيف لنا أن نكون خارجين على الحاكم إذا كنا لم نشهر سلاحاً في وجهه سوى سلاح الكلمة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"..

لقد قتلنا وانتهكت حرماتنا وعُذِّبنا وسُجنّا وشُوِّهت سمعتنا من حاكم ادعى أنه حاكم عادل جاء بعد سلطان جائر فما وجدناه إلا أكثر جوراً وأشد غلظة .. هل خروجنا عليه دون إشهار سلاح هو خروج على الحاكم؟!!!
تباً لمنطقكم الأعوج الأعرج!!
تباً لمن استغلوا الدين ورجال الدين لظلم أصحاب الحق!
تباً لكل شيطان أخرس شهد الظلم ثم رضي عنه ليُرضِي ضميره الجبان!
تباً لكل غبي يبحث عن استقرار مع حاكم ظالم!
تباً لكل متخاذل عن نصرة الحق وأهله!

ثورتنا حسينية .. سلمية لا استسلامية .. أقول هذا لا للتأكيد على سلمية ثورتنا ولكن لشرح أمر يجهله الكثيرون .. إن سيدنا الحسين حين خرج من مكة لم يكن خارجاً للجهاد بالسيف ، لكنه حين خذله من حوله ووجد نفسه وجهاً لوجه أمام جيش البغي الذي أرسله اليزيد لم يكن أمامه خيار آخر سوى أن يشهر سيفه .. لا ليعتدي بل ليصد العدوان .. نعم لقد قاتل سيدنا الحسين بسيفه .. قاتل عملاً بالمنطق الذي يتيح للمرء الدفاع عن نفسه إذا ما اعتدي عليه .. وقبل المنطق قاتل سيدنا الحسين عملاً بقول الله تعالى: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله" ، والإمام الحسين لم ينطبق عليه الجزء الأول من الآية كما أوضحتُ سابقاً وكما أثبت التاريخ .. إلا أنه ينطبق عليه الجزء الثاني "فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي" .. أعيدوا قراءة واستيعاب وفهم الآية "فقاتلوا" .. نعم ، لقد كـُـتِب القتال على سيدنا الحسين حين بغى عليه جيش اليزيد.

كيف لنا ألا نقتدي بسيد شهداء أهل الجنة؟! كيف لنا ألا نقتدي بحفيد نبي الحق؟! كيف لنا أن نصلي على آل بيت النبي كل يوم خمس مرات في تشهد كل صلاة ثم لا تقتدي بهم في سلمهم وفي حربهم ثم بعد ذلك ندعي أننا نطبق شرع الله؟!!
ثورتنا حسينية .. خرجنا نعلنها "سلمية سلمية" .. فكان الرد هو الموت .. القتل .. الغاز .. سرقة نور الأعين .. حبس الشجعان .. تشويه سمعة الشرفاء .. كيف لنا ألا نرد؟!! لقد استطاع شياطين الحاكم أن يقنعوا الكثير من المصريين أن من يمسك بحجارة ليرد بها على قنبلة غاز قاتلة أنه بلطجي!! تباً لكل شيطان يزين الشر لأوليائه ويوسوس في صدور الناس بالباطل!
ثورتنا سلمية .. لكن لنا الحق في أن نرد العدوان عنا..
ثورتنا سلمية .. والحجارة – التي هي سلاحنا - ليست كالرصاص والقنابل والنبال..
ثورتنا سلمية .. ولا لوم علينا إن استخدم سلاحاً– أياً كان هذا السلاح – لصد العدوان..
ثورتنا سلمية لا استسلامية ..
إننا لم نخرج بأسلحة صوبناها تجاه صدور أي من الشعب ، بل خرجنا عُزَّل من السلاح فوجدنا العدوان بكل أشكاله .. فلا تلوموا من يبحث عن أي سلاح ليصد به العدوان .. هو ليس ببلطجي ، هو ببساطة يرفض الاستسلام الذي يسوغ للكثير فكرة تلقي الرصاص الدامي بصيحات السلمية..
سيقول البعض إنني من المحرضين .. ليكن .. نعم أعترف أنني من المحرضين على الاقتداء بثورة سيدنا الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه .. أحرض على عدم الاستسلام للمعتدي بالباطل على الحق .. أحرض على تطبيق قول الله تعالى " فقاتلوا التي تبغي " .. شرفٌ لي أن أكون من هذا النوع من المحرضين ..

ويا ثوار مصر .. أدعوكم بقدر حبكم لهذا البلد ورغبتكم في أن تبدأ مصر الكتابة بحروف من نور في صفحة جديدة من العدل والحرية والمساواة ونصرة الحق .. أدعوكم بقدر إيمانكم بما ثُرتم من أجله أن تجتمعوا من أجل تحقيقه .. حرية هذا الوطن مكفولة بكلمة واحدة "الوَحدة" .. فلتوحدوا صفوفكم ..
لماذا لا ندعوا جميعاً لاجتماع يوم الجمعة القادم أو التي تليها ، وليكن هذا الاجتماع في مكان عام يسع كل من أراد أن يبني هذا الوطن على العدل لا على الظلم .. وليوفر من يستطيع كل الأجهزة المرئية والصوتية التي تتيح للجميع رؤية ما سيعرض وسماع ما سيقال لنعلن فيه عن الرغبة في تشكيل مجلس لقيادة الثورة .. ولنضع أولاً معايير اختيار أفراد هذا المجلس ومعايير أخرى لاختيار قائد مجلس قيادة الثورة ، وليكن أهم تلك المعايير عدم اختيار شخص ممن رشحهم المجلس العسكري لحكومة انقاذ أو لمجلس استشاري ، وعدم اختيار أي من كبار السن للمجلس أو لقيادته .. وليس في هذا تهميش لدورهم فلهم منا كل الاحترام والتقدير ، لكن ثورتنا هذه كانت في الأصل ثورة شباب .. ومصر الحاضر لن ينهض بها إلا الشباب ، لذا وجب علينا أن يكون المجلس من صناع الحاضر ومخططي المستقبل لا من صناع الماضي .. ورغم ذلك فأنا أطالب بتعيين مجلس استشاري يتكون من كبار رجال مصر الذين ساندوا الثورة لنطرح عليهم الأمور المثيرة للحيرة لنستفيد من خبرتهم .. ولنقم بانتخابات تستمر لمدة أسبوع حتى الجمعة التي تليها على أسماء عديدة نطرحها من الشباب (ذكوراً وإناثاً) ممن شاركوا في الثورة ، وليتم انتخاب 7 منهم مثلاً ، ثم – ولمدة أسبوع أيضاً – نقوم بانتخاب رئيس لهذا المجلس من أفراد هذا المجلس ليكون القائد لهذه الثورة .. يمسك زمام الأمور بيديه ويوحد صفوف الثوار إذا ما اختلفوا ..

ليكن هذا قبل الخامس والعشرين من يناير ، وليتم الاقتراع في صناديق مخصصة لهذا ، وكما وجدنا من تطوع لحراسة الميدان ومن تطوع بإمداد الثوار بالغذاء والغطاء والدواء قسوف نجد الكثير ممن ستيطوع لحراسة صناديق الانتخاب ولتنظيم صفوف المنتخبين ، أما فرز الأصوات فهي مهمة لجنة يجب تشكيلها أولاً قبل بدء الاقتراع حتى يتحقق النظام وتتحقق النزاهة ..
حتى إذا جاء الخامس والعشرين من يناير القادم كانت ثورتنا منظمة لا مجرد ثورة نختلف أحياناً على هدفها فتتفرق صفوفنا تبعاً لهوى كل ثائر فيسهل لعدونا حينذاك التخلص منا وقمع ثورتنا مرة أخرى.. أيها الثوار الزموا الوَحدة ، فنحن إذا ما نجحنا في تنظيم صفوفنا فإننا سنثبت لحزب الكنبة وللمجلس العسكري وللعالم أجمع أننا قادرون على قيادة هذا البلد والاجتماع تحت راية واحدة في سبيل رفعة هذا البلد الذي نعشق ترابه، ولا نرغب إلا في أن نراه شامخاً عزيزاً .. فمصر هي تاج العلاء في مِفرق الشرق.

أعود وأذكر الجميع مرة أخرى .. ليس فقط المصريين وإنما كل البلاد العربية التي اعتدى فيها من يدعون أنهم حماة الوطن على أصحاب الحق .. في اليمن والبحرين وسوريا وفي كل بلد ستقوم فيها ثورة .. ثورتنا سلمية لا استسلامية .. وسنصد العدوان بأي سلاح ، ولن نكون حينئذٍ مثلهم ، فهم دعاة الباطل ونحن دعاة الحق .. هم عبيد عروشهم يتشبثون بها ، ونحن نريد أن ننتزعها منهم بالحق لنعطيها لمن يحكم بالحق ..
أكرر مرة أخرى .. إننا لن نبدأ بالعدوان ، فالمجلس وزبانيته هم من بدأوا .. لكننا لن نقف مكتوفي الأيدي إذا ما واجهونا مرة أخرى بعدتهم وعتادهم .. كُتِبَ علينا القتال .. قالها الله تعالى في كتابه العزيز "كُتِبَ عليكم القتال وهو كُرْهٌ لكم" .. إنه السبيل الوحيد لانتزاع السلطة والحرية والمستقبل من بين أنياب من يريدون أن يذهبوا بأوطاننا إلى مستقبل أشد ظلمة من حاضرنا الذي أظلموه بظُلْمهم .. ما أُخِذَ بالقوةِ لا يُستَرَد إلا بالقوة..
ثورتنا حسينية .. لسنا الحسين ولكننا أتباعه ، و
زبانية المجلس العسكري من الإرهاب المركزي والشرطة العسكرية هم جيش اليزيد ، وحزب الكنبة هم من خذلوا الحسين .. من خذلوا الحق ..
سنمضي في طريقنا .. فلينضم إلينا من شاء وليتخلف عنا من شاء .. لكننا لن نتراجع .. فثورتنا حسينية .. فإما النصر وإما الشهادة ، وكما قال غاندي: "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر".
أيها المصريون .. أيها العرب .. ثورتنا حسينية .. سلمية لا استسلامية.

الدقي
14/12/2011م
19/1/143
3هـ

هذا المقال تم نشره في موقع راديو رابية تحت باب خاص بي بعنوان "من وحي الثورة" ، وهذا هو رابط المقال في الموقع:
http://news.radiorabia.com/?p=5921

16‏/12‏/2011

مش ذنبنا



مش ذنبنا

يبقى العذاب مكتوب لنا

مش ذنبنا

نحتار ونسأل نفسنا:

الحكم دا من حقنا؟!!

ولاّ مهوش مقسوم لنا؟!!

ولاّ مجرد حكم عسكر

عِشنا بيه من صُغْرِنا؟!!

مش ذنبنا

لو تُهنا يوم عن بعضنا

ولاّ الأمان راح مننا

مش ذنبنا

كلمة يقولوها جُنْدنا

تفرض علينا حُكْمِنا

ونعيش بقية عُمرنا

من غير م نسأل نفسنا:

الحُكْم ده جَه برضانا؟!!

ولاّ غصبن عننا؟!!

والحُكْم دا من حقنا؟!!

ولاّ مش مقسوم لنا؟!!

مش ذنبنا

مستوحاة من أغنية الفنان الكبير والقدير علي الحجار "مش ذنبنا"

أميمة الشاذلي

مساء الجمعة

16/12/2011م
21/1/1433هـ