02‏/07‏/2013

الجيش والشعب



الجيش والشعب ايد واحدة!!
يسقط يسقط حكم العسكر!!

بين هذا الهُتاف وذاك يتأرجح الشعب .. 
بين ثوار ذاقوا الأمرّين من حكم عسكري مستبد وبين شعب لم يتكبد عناء الشعور بمعاناة ثوارٍ أرادوا بلادهم حرة أبية..
بين هذا وذاك أجد نفسي في المنتصف .. لا أميلُ إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!

كنت ولا زلت أؤمن بأن الحكم العسكري هو الذي أوقعنا في فخ فاشية دينية استغلت كل شيء للوصول إلى الحكم.
كنت ولا زلت أؤمن بأنني على استعداد للموت في سبيل عدم "عسكرة" مصر
ولكن ومع الموقف الراهن للبلد لابد لنا من وقفة
وقفة نستجمع فيها شتات أمرنا وأفكارنا كي ندرك حقيقة الموقف برمّته.

الثلاثون من يونيو .. يوم عرس الحرية ..
يوم سمع فيه العالم أجمع كلمة الشعب المصري الذي قرر أن يغادر "الكنبة" ليدلي بدلوه في قضية وطن شعر بأنه في طريقه إلى الهاوية ما لم يجد من يمد له يداً تنتشله مما هو فيه!
ولا يخفى علينا جميعاً أن الأعداد المشاركة في هذا اليوم فاقت كل التصورات في جميع محافظات مصر .. كما لا يخفى علينا جميعاً أن هناك من الشعب من يشارك لأول مرة في حياته في مظاهرة ضد الظلم والاستعباد..
ولأن الثورة هدفها الرئيس هو تحرير هذا الشعب .. كان لزاماً على الجميع أن يستمعوا إلى صوت الشعب حين خرج عن صمته ليقول كلمته..

لا شك في أننا لاحظنا جميعاً مدى فرحة وبهجة هذا الشعب في هذا اليوم عند مرور طائرات الهلوكبتر التابعة للجيش .. ولا يمكننا أبداً تجاهل التهليل وصيحات النصر التي دوت في أرجاء الاتحادية والتحرير حينذاك .. 
هنا تضاربت مشاعر شتى في نفوسنا ولم نجد أنفسنا إلا ونحن نهتف باسم شهداء مصر الذين راحوا ضحية الحكم العسكري .. نهتف باسم مينا دانيال والشيخ عماد عفت ومن قبلهما ومن بعدهما ومن بينهما .. في محاولة منا لتذكرة من حولنا بجرائم الحكم العسكري كي لا نستمع إلى ذاك الهتاف البغيض إلى نفوسنا "الجيش والشعب إيد واحدة" .. فهذا الهتاف يذكرنا بيد ما امتدت إلينا إلا لتقتلنا وتفتك بنا وتسحقنا تحت دبابتها كي تخرسنا للأبد .. فكيف نقبل بهذا الهتاف بعد كل ما تكبدناه من خسائر وأرواح؟!!
كيف نقبل على أنفسنا أن نصمت ونحن نستمع إلى من يهلل لقاتلينا؟!!!
وهنا توقفت بعض اللحظات .. وفكرت في الأمر ...
هل نحن حقاً نعادي الجيش أم أننا نعادي المجلس العسكري؟!!
بالتأكيد نحن نعادي المجلس العسكري ومن استخدمهم من أفراد الجيش لقمعنا وقتلنا والفتك بنا وليس الجيش بجميع أفراده.
حسناً .. ماذا لو أن المجلس العسكري الحديث قرر أن يغير سياسة المجلس الذي سبقه؟!
ماذا لو أن المجلس العسكري الحديث قرر أن يستخدم أفراد الجيش لحماية المتظاهرين بدلاً من سحقهم؟!!
هل عداوتنا لمواقف وأشخاص أم لمؤسسة؟!!
وماذا سنكسب إن ظللنا فترة طويلة على هذه المشاعر العدائية تجاه مؤسسة يستحق بعض من فيها هذا العداء؟!

لا شك في أن الثوار سيستقبلون الفكرة بالسخرية والاستنكار وسيتهمونني بالتهاون في حق الشهداء وربما ب(العَبَط) في تصديق من قتلنا .. لكن الحقيقة هي أنني لم أنس ثأرنا القديم ولن أنساه .. ولكنني أحاول إعادة دراسة الحالة التي وصلنا إليها والموقف الذي نحن بصدده..

مع البيان الأول للقوات المسلحة أجد تغيراً في موقف المجلس العسكري على الأقل بزاوية قدرها 90 درجة .. ولنترك التسعين درجة الباقية للأيام القادمة لتثبت لنا إذا ما كان التغيير حقيقياً أم أن البيان ما هو إلا مجرد كلمات جوفاء تضاف إلى البيانات القديمة .. في محاولة لاستعطاف الشعب للانقضاض على الثورة مرة أخرى ولكن هذه المرة برضا الشعب!

لكن المتأمل لبيان المجلس العسكري سيجد لهجة مختلفة تظهر من خلال صياغة مختلفة لهذا البيان الذي لا يمكن تجاهل الاستقبال الشعبي الحافل له.
البيان العسكري صيغ هذه المرة بطريقة أكثر حنكة ودهاء وسياسة .. 
امتزجت فيه اللهجة السياسية مع الأسلوب العسكري الحازم .. 
نلمس فيه صدقاً أكبر مما سبق – ولنا تجارب عديدة سابقة في البيانات التي استشعرنا منها عكس ذلك.
البيان هذه المرة لا يؤكد على حماية الشعب – كما اعتدنا في البيانات العسكرية- ولكنه يعطي فرصة متساوية لكل الأطراف للخروج من الأزمة الراهنة بدلاً من أن يتخذ المجلس العسكري قراره ويفرض إرادته التي لا ندري كنهها حتى الآن!

إلا أن البيان أكد في الوقت ذاته على أن المجلس العسكري لن يحاول السيطرة على الحكم ، وإن كنا نستشف من لهجة البيان الحازمة أن المجلس سيمسك بزمام الأمن حتى لو لم يستولِ على الحكم .. وهذا أمر لا يمكن البت بكونه حسناً أو سيئاً .. ففي الأحوال العادية يكون إمساك الجيش بزمام الأمن أمراً سلبياً لِما يمثل ذلك من تسلط دكتاتوري وأمنٍ مفروض على الشعب بقوة السلاح لا بقوة القانون.. لكن في بعض الأحوال الأخرى يكون إمساك الجيش بزمام الأمور "الأمنية" الداخلية أمراً إيجابياً؛ حين يكون الأمر على وشك انفجار حرب أهلية أو صراع دموي بين طرف وآخر بصرف النظر عن الحق والباطل ..

والمتأمل في الوضع العسكري للمنطقة العربية يجد أن المجلس العسكري من الصعب أن يحاول الاستيلاء على السلطة في ظل الظروف الراهنة ..وليس الأمر من قبيل الزهد في السلطة؛ لكن الأمر أخطر من أن يقحم المجلس العسكري نفسه في صراع جديد مع ثوار يرفضون حكمه مهما قل عددهم .. فهذا الأمر كفيل بزعزعة استتباب الأمن الذي يبحث عنه المجلس العسكري في الظروف الراهنة في المنطقة العربية التي تعج بالفوضى والصراعات مما يستلزم على الجيش المصري أخذ الحيطة والحذر والتأهب استعداداً لأي معركة قد يُفرض عليه خوضها لأي سبب من الأسباب.. 
ولا ننس أن الجيش السوري منشغلٌ في صراع داخلي مع المعارضة..
وإيران منشغلة في تأييد النظام السوري لتأمين حدودها..
والجيش العراقي لا وجود له منذ سقوط بغداد الأخير .. 
وبقية الدول العربية منشغلة في حل مشكلاتها وأزماتها الداخلية، كما أنها تعجز عن حماية نفسها إذا ما اعتدى عليها معتدٍ .. 
وأمريكا تبحث عن مصالحها السياسية والاقتصادية..
واسرائيل تتأمل المشهد كاملاً في انتظار الفرصة الحاسمة لتحقيق حلم يعربد في خيالها..
أمور كثيرة تجبر الجيش المصري على التركيز على الأمن الخارجي .. ولا أرى البيان العسكري الأخير إلا محاولة حثيثة لوضع حد للفوضى التي نعيشها منذ فترة كي يستطيع الجيش الالتفات إلى ما هو أخطر وأكبر دون أن يتشتت انتباهه في محاولة الفصل بين القوى الثورية والمعارضة والمؤيدة التي حال الصراع بينها دون تحقيق تنمية حقيقية داخلية بصرف النظر عن السبب ..
وعلينا ألا نُغفل أن فترة الحكم العسكري الذي عانينا فيها منذ سنة مضت قد أثّرت على المجلس العسكري كما أثرت على الثوار.. والمجلس العسكري ليس بالغباء الذي يجعله يتجاهل أثر دخوله المعترك السياسي الذي أفقده سمعته وهيبته ودفع جزءاً من الشعب لكراهيته بسبب ما أصابه من جرح أليم لم يندمل بعد.
كل هذا أجده كافياً لأن يدفع المجلس العسكري لمحاولة تحسين صورته التي شوهها هو بنفسه.. بصرف النظر عن المسوغات لما فعل..

هذا ما دفعني لإعادة التفكير في الموقف الراهن .. فالأمر أكبر من مجرد هتافات وشعارات أو نكء جرح لم يندمل بعد .. كما أنه من الأنانية أن نصمّ آذاننا عن الاستماع إلى أغلبية شاركتنا موجة من موجات الثورة حتى لو كانت يوماً واحداً أو اثنين.. 
إذا كنا نريد أن نفرض إرادة الشعب فعلينا الاستماع للشعب حتى وإن لم يَرُق لنا كل ما يقول .. فنحن ما خرجنا لنثور منذ الخامس والعشرين من يناير إلا لنسترجع كرامة هذا الشعب ونسمع صوته من جديد ونلبي مطالبه .. فلا يمكن أن تدفعنا أنانيتنا لعدم الاكتراث لصوت شعب يصعب إقناعه بعدم ترديد الهتاف "الجيش والشعب ايد واحدة".

لست أدعو لعودة المجلس العسكري للحكم .. ولا لتجاهل دم لم نثأر له بعد .. ولكنني أدعو أصدقائي ورفاقي الثوار إلى التأني وعدم استفزاز قطاع كبير من الشعب في الوقت الراهن إلى أن تضح الصورة كاملة .. ما زال أمامنا يوم وبعض يوم للكشف عن نية المجلس العسكري .. 
دعونا نتوقف قليلاً وننتظر ما ستسفر عنه الأمور .. 
دعونا نتحلى ببعض الصبر .. ولننتظر .. فلو صدق المجلس العسكري فيما ذكره في بيانه فبها ونِعمتْ .. ولنحاول تضميد جراحنا بتحقيق أحلام شهدائنا الذين ضحوا بأرواحهم لا في سبيل بقاء عداوة مع طرف ما ولكن في سبيل التخلص من طغيان أطبق على صدر الوطن.. فإذا ما حققنا الحرية واستعدنا كرامة هذا الشعب كان هذا هو أكبر ثأر نأخذه من كل من أراد بنا السوء..
وإن لم يصدق البيان العسكري في قوله فسنستكمل معركتنا حتى يزول الظلم وينقشع الظلام .. 
وليكن شعارنا "وإن عدتم عدنا".

ليست كل الأمور تعالَج بالثورة.. والثورة إن لم تتحلَّ ببعض السياسة لن يكون لها مكانٌ على أرض الواقع .. ستخسر الكثير .. وسيشعر الثوار بأنهم كانوا ينحتون في الصخر .. 
علينا أن ننظر للأمور من مختلف الزوايا وندرس المواقف التي نتعرض لها جيداً كي نخرج بحلٍ يرضي جميع الأطراف دون أن ننسى آلام الوطن .. ودون أن نمنع أشعةَ أملٍ من أن تتسلل إلى قلوبنا وقلوب شعب يتوق إلى رؤية شمس الحرية..




صباح الثلاثاء
2 يوليو 2013 م
23 شعبان 1434هـ