21‏/02‏/2015

ديوان «نظر» على مرمى البصر





لم أعتد على كتابة رأيي في ديوان بعد قراءته، فلم أزدْ يومًا على كتابة اقتباس من القصيدة التي تلمس روحي من بين كل القصائد التي أقرأها.
لكنني ولأول مرة أجدني راغبة في الإبحار بالكلمات في بحر ديوان لمستْ كلُ قصيدة منه جزءًا من روحي...
بداية من الغلاف الوردي بلون الأحلام، الوحشي كرصاص السجان الذي حول ضحيته إلى هيكلٍ لم تؤثر مآسيه في ابتسامته التي يكيد بها من ظنوا أن قيودهم قادرة على تكبيل أرواح ضحاياهم الحرة.
ورغم «خرطوش» الغدر الذي استهدف أعين الثوار، لم يزدهم ذلك إلا حدة لبصرهم وبصيرتهم، ليحولوا رصاص الغدر إلى ورود تفتحت في روضات الوطن الذي يسكنهم قبل أن يسكنوه.

الديوان كله لافت للنظر، من أول اختيار كلمات فلسفية فصيحة لأحد أهم أعلام الفلسفة الصوفية، الإمام محيي الدين بن عربي، عن العمى والبصر، كمقدمة لديوان مكتوب بالفلسفة العامية عن الشيء ذاته، مرورًا بالإهداء الذي يحمل ذكريات برائحة شوارع مصر، ثم بأولى الكلمات التي اختارها الشاعر لتكون أول أيام أسبوع قصائده، الذي افتتحه بحكمة بنكهة «جحا المصري» الذي ما انفك يرصد ما حوله بعين العليم الساخر اللامبالي.
كلمات تحمل في طياتها عشرات المعاني الفلسفية المختلطة التي محورها الفرد وفلكها المجتمع.
افتتاحية مصرية تناسب بداية الحفل الموسيقي الذي رفع الشاعر ستائر حفله لتظهر من خلفه الأوركسترا، تعزف مقطوعة اختلطت فيها آهات النايات بحنين الوتريات وأنين الكمان وطبول الحرب
وامتزجت فيها تنهدات البؤساء بهمسات الحالمين.
كل ذلك قبل أن تبدأ الأوركسترا عزف «لحن السلام» الجنائزي في زفاف حزين لجسد فانٍ وروحٍ خالدة

والشمس فوق الفنار بتودع الرايحين
والصهد من خصرها مهزوم أمام البرد
هزت رياح الشتا في الموج على الشطين
والمركبة أبحرت وسط الندى والورد

لتسود بعدها دقيقة حداد على روح الـ«نجم» الخالد، قبل أن يخرج علينا مونولوجيست بحكمته المستترة خلف حديث الذات ولومها على ما فات، ونصيحة للسامعين القارئين المتأملين..
«المونولوج» كتب بطريقة تدفعك إلى إعادة قراءته مرة تلو الأخرى؛ حيث تشعر أن صوت القصيدة يتردد صداه فيك، وكأنها منك وعنك وإليك، في شاعرية سلسة تلمس الفؤاد

الغربة وسط البشر، والغربة في الأوطان
أصعب على المغترب من خَبَرُه في الجرنان
كام مرة سلمت بقلبي قبل الكف ما يمتد
كام مرة قلبي اتكسف.. لكن مقالش لحد

ثم تنتقل إلى مونولوجٍ من نوع آخر، وكأن المونولوجيست يحاول من خلاله أن يقدم نفسه للقارئ أو المستمع
وناس فاكراني مش شايف
وناس عايزاني اكون خايف
بشوف الناس بدون أوراق
بشوفهم بس باللمسة
واقابل كل يوم خمسة
وافارق كل يوم خمسين
واحب الناس من الهمسة
وبفضل جنبهم لسنين
شروق

فجأة، تشعر وكأن الصوفي قد عرّج بمشاعره "الشاعية" على حديقة مزهرة الورود،أو وكأن ما فات من القصائد كان وليد الليل بكل ما فيه من ظلام وآلام، قبل أن يطلع عليه نورُ فجرٍ خرج بالشاعر من عالم الأبيض والأسود بدرجاتهما إلى عالم مليءٍ بالـ«ألوان» رُسِمَ بكلمات تقطر صورًا جمالية وتشبيهات بديعية بألوان الطيف المؤنثة التي تحلق في سمائها طيور مغردة تصدح بألحان الصباح والأمل

في النور نشوف كل الحاجات واضحة
في النور بنقدر نبتدي نحلم
والنور بيستنى البنات تصحى
في النور تكون كل البنات «مريم»


وغروب
ساعات النور التي قضاها الشاعر ببضع كلمات حالمة لم تلبث أن حلت عليها كآبة شمس الغروب، لتجبر مشاعره على الأفول وسط الكآبة والندم والفراق والنهايات والتفكير في «المشهد الأخير»

واللُقا دايمًا يليه حبة فراق
والفراق دايمًا يجيب الاشتياق
واشتياقك يشغلك عن كام لقاء
عن كام بداية نفسهم يوم يبتدوا
حدوتة قبل النوم

مرة أخرى، يعود الصوفي ليتحدث إلى نفسه، أو ليحكي قصته للناس؛ وكأنه اختار أن يكتب يوميات مشاعره في مذكرة شعرية
عن كام حدوتة انا مش فاكر
ومحدش يعرفهم غيري
أنا عمري ما قلت انا مش غلطان
وكتير بتأسف لضميري
وبعيط لما بكون زعلان
وانا داخل بكره على التلاتين
بطلت سجاير كام مرة
ومش قادر ابطّل اعد سنين
يوم جديد

يبدأ الشاعر هنا بداية جديدة بحكمة جديدة، وكأن الشمس قد أطلت على مشاعره المظلمة، ليتسرب إليها ضوء الصباح الذي يقتل كآبته

وخد م الكلب كل ما ليك
ولا تقولشي عليه سيدك
خد الأيام على عيبها
خد الحكمة من المجنون
وحِكَم الموزونين سيبها

وكما بدأ يومه الأول على أنغام الأوركسترا، بدأ يومه الثاني بكتابة فصول مسرحية عالمية عبثية لا تنتهي، تشعر وأنت تقرأها وكأنك تشاهدها في شريطٍ مصور صامتٍ تصاحبه موسيقى تصويرية بائسة ومؤثراتٍ صوتية على مشاهد خُتمتْ بمشهدٍ ليس بالأخير، ليطل المخرج بعد إسدال الستار معقبًا  عليها بخلاصة القول
بالحق قولوا يا جموع البائسين
كم من شعار اتعلقوا في الفاترينات؟!
كم من أمل مسروق هناك م اليائسين؟!
حلمك صبح منتج يباع في التوكيلات
واللي بيهتف ضدهم اليوم وأمس
فارشين هتافك ع الرصيف وسط النهار
بيبيعوا فيه وبيكسبوا يورو ودولار
وانت اللي مستني تشوف في الضلمة شمس

بعد أن يسدل الستار على الفصل الختامي ، يسير المخرج بأقدام فكره خارج جنبات المسرح، وينضم إلى ركب المشاهدين، ليعبر من «باب الدنيا» متحدثًا عن أثر المسرحية على نفسه، ويطرح أسئلة تدور في أروقة روحه الثائرة التي لم تنفك يومًا عن قرارها في مواجهة الحياة بكل ما فيها:

مين اللي قال ع الوطن:
يا تحبه.. يا تسيبه؟!
قالوا: "حلمنا بنهار"
وقلنا: "حنجيبه"

ثم سرعان ما عاد الشاعر يرتدي ثوبه الصوفي شارحًا فلسفته عن «الحياة» التي يراها بمنظار المخرج الذي يسلط الضوء على مشاهد ما قبل النهاية لتهيمن على كل البؤس والشقاء الذي يتخذ من عالمنا الحزين مسكنًا له:

الحياة هي لحظة قبل موتنا من أجل اللي جاي
اللي عاشها بجد.. هو اللي اسمه حيّ
الحياة هي التقدم في اتجاه المعركة
من غير رجوع
الحياة جوا الهتاف هي الحياة
اللي موتك فيها معناه النجاة
ورغم نظرة الصوفي العميقة والبسيطة للحياة كما ينبغي أن تكون، إلا أن إيمانه بفلسفتها لم يمنعه من صرخة ألمٍ تحكي ما يعتريه من أشجان تختفي خلف صلابة اتخذها طريقًا لمواجهة الحياة التي تعاقبك على اجترائك على شم ورودها بأن تذيقك آلام أشواكها.
فيه كام مليون أمل مسروق من الماشيين
في قلب الشارع المليان بألف كمين

ثم يختمها بصفعة لا مفر منها تتلقاها من «شرطة الأخلاق» التي صار القبح عنوانها والبراءة عدوها، لتوقظك من أحلامك المستكينة، وتشعل بداخلك نار ثورة تتجسد في «كربلاء» وتسمع صداها يتردد في ربوع ميادين مصر التي اكتست بالظلام وتعطرت بدماء الشهداء

والدم عايش من سنين
جوه الحكاوي والكلام
اللي ف نفوس المشتاقين
واحنا علينا الاستلام
والتكملة بعد الحسين
«لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم»
ثم ينهض الثائر من أمام المشهد الحسيني ليستلم الراية، ويسير بها في موكب عُرابيٍّ ليواجه «السلطانة» أمام القصر الذي سكنته خفافيش الظلام حتى حجبتها عن أبنائها الذين جاءوها ليعرضوا عليها مظلمتهم:

من غير هتافات ولا صوت عالي
محتاجة لإيه علشان ترضي؟!
زعقنا سنين ولا بتبالي
وف بالي أقولك اعترضي!

ثم يستدرك متقمصًا روح عرابي في مواجهة الخديوي

مستني الرد ومستني
الدم الحر يقول قُولُه
كف الجنرال لو يوم هانّي
كف الأوطان يبقى يطوله
ثم يكمل الثائر مسيرته يجوب شوارع المحروسة يهتف

بإسم اللي عايش في أول يناير
وإسم اللي ميت ما بين الفصول

ويعلن اعتراضه على كل ما لا يروق له في أسلوبٍ «فاجوميٍّ» ينتهي كالعادة بحبسه. ولا عجب في أن يتزامن حبس الثائر مع أفول شمس المغيب، فلون الغروب هو حبس لروح لا يبدد ظلمتها سوى نور الصباح، وإلى أن يحين ذلك الوقت، لا يسع الشاعر الثائر إلا أن يكتب «الوصايا» لمن سيحمل الراية من بعده، فهو لا يدري بعدُ أهكذا تكون نهايته بين أكفان الليل المتشح بالسواد، أم أن الشمس ستنعم عليه بيوم آخر يشرق على روحه التي ما عادت تبالي بطول العمر أو قِصَره.
وتخرج وصاياه في هيئة نصائح حكيمٍ خَبِرَ الحياة من شدة معاناته لا من طول بقائه

دور على الروح اللي راحت من ساعات
في ابتسامة طفل مولود من دقيقة
دور في قلب الكدب عن شكل الحقيقة
دايمًا حتلقى في انتظارك أي شيء
حبة ألم
دايمًا في قلب الحزن نقطة راحة صافية
دايمًا في قاع التجربة حبة أمل....
الجمعة

يفتح الصوفي عينيه للحياة من جديد، بعد أن فك النهار قيود سجنه، وأيقظ الأمل النائم من رقاده، ليملأ رئتيه بنسيم الحرية وأذنيه بترانيم الجمال، وروحه بخطوط الحلم الذي ما زال يبحث عن الرسام ليكمل لوحة لم ينتهِ منها بعد
احلم بفكرة تصلّح الأحوال
دوق الجمال في الغنوة والموال

خطبة الجمعة

في مسجد الأرواح الذي تستدفئ فيه الأفئدة التي تعاني من برد شتاء الدماء التي تهطل عليهم، وقف الشاعر الذي عاد ليرتدي أمام الجميع ثياب المتصوف التي لم يخلعها يومًا، ويضع عمامته البيضاء التي تنعكس بأضواء خضراء حينًا وحمراءَ حينًا آخر، ليقف على منبر المسيح يخطب فيهم أن يصلوا صلاة الرحمة على البؤساء الذين هدتهم حياة ملؤها العناء والشقاء

يا عاشقين وجه النبي
سمّوا على اللي يموت
بضربة من البارود
صلوا على المقتول بجوعه
واللي بردان من عهود
ادعوا وناجوا في الصلاة
قلب الحياة يعرف معاني الطبطبة
على قلب عيّل كان مُناه
يعرف ملذات الحياة
ادعوا ف صلاتكم كل حين
للمحرومين
يلقوا مكانهم في قلوب المدّعين
حاوطوا بقلوبكم كل حين
اللاجئين والمحرومين
والأفئدة
كل ذنوبها إنها
خايفة تموت متجمدة

ينزل الإمام الثوري من على منبر المسيح ليصعد جبل الرهبان، ويجلس فوق صخرة وهو يضع إحدى رجليه فوق الأخرى، ويتخذ من صفحة السماء شاشة سينما يستعرض فيها شريط حياته

كتبت كتير عن الثورة
عن الإنسان
عن المسافات بين الأحباب
وحب الأوليا لله
وعشق الصالحين للناس
وحب الطامعين للجاه
قبل أن يخبرنا عن خلاصة «تنظيره» في سطرين:

خلاصة كل شيء مكتوب
بداية القصة مش منظر
وآخر القصة مش محسوب

ع الليل وآخره

هبط المساء على روح الراهب وهو لا يزال ممتطيًا صخرة في قمة جبال التبت، وعيناه تبحثان عن قمرٍ غاب عن الحضور في ساحة السماء، فلم يجد مصباحًا يستضيء به في ظلام ليلٍ حالك السواد، فما كان منه إلا أن أخذ يرثي لحاله ويؤنب بؤسه

غير كف إيدك مين حيسمح دمعتك؟!
مين اللي شايفك أغلى من خاتم دهب؟!
عامل قوي.. والناس بتسرق فرحتك!!!
حتى اللي فرحك فرحته شايفك مفيش
فابدأ بحلمك للحياة بس بأدب
علشان تعيش

هدنة

يوم رابع يضيء شمعة شمسه، فيتوضأ قلب الشاعر بنوره قبل أن يصلي صلاة الهدوء والسكينة بعد أن أثخنت روحَه ثورةٌ لم تؤت ثمارها، ولم تنته فصولها، لتحرض الثائر على صمتٍ متأمل بطعم الانتظار

بعض الهروب م التهلكة
بعض السكون الحر
بعض انصياعك للهدوء
قد لا يضر
أوجاع

في هذا اليوم لم يجد الشاعر له مكانًا على أرصفة الشوارع، فنزف أوجاعه في آهةٍ انطلقتْ شهابًا محرقًا يجوب سماء كُسِفتْ شمسُها كما كُسفت أحلامه

أنا اللي واخد ع الحنين
للحلم لو ميجيش
أنا اللي مقتول لي أمل
عايز يعيش
عندما يأتي المساء

أسدل المساء أستاره سريعًا على مسرح يوم لم يجد من يقف فوق خشبته بعد مغيب شمس لم تترك من آثارها سوى أملٍ منتظر في نفوس العاشقين ليوم جديد لا تغيب شمسه. في هذا المساء، اختار  الشاعر ثياب المغني، منشدًا لحنًا ليليًا تتأرجح نجومه بين آهات الناي وأوتار القيثارة الحالمة

الليل بيسبق رجفة البردان
والدنيا تشتي فوق جبينه ورود
فيه ناس تلاقي بعضها بأحضان
وناس تودع حضنها بشرود

ثم يختم نشيده مستحثًا الصباح الذي توارى خلف أستار المساء السوداء

طعم اللي كان على رنة من عودي
طعم الندى على شفّة الياسمين
مهما اتنسيتْ .. فاكر أنا وعودي
أنا اللي راسم بسمة الباسمين
نداء الغسق

اختار الشاعر أن يختم يومه الرابع بمناجاة للثائرين تهمس في آذانهم قبل بدء معركة يوم جديد.. تبعث الأمل قبل أن يمحو اليأس نور فجر لابد له أن يشرق
اتأكدوا إن الأمل موجود
اتأمدوا إن الوطن شايف
وان الرصاص مهما كتر .. محدود
صوت الرصاص من حلمكم خايف

والخامسة آه

رغم الأمل الذي يتجرعه العاشق في كئوس الصبر ليكافح اليأس، إلا أن هذا الأمل لا يمنع المرء من الشعور بالملل من صبر يحتاج لصبر آخر فوقه كي يقوى عليه. ربما كان هذا ما جعل شاعرنا يستفتح يومه الخامس بزفرة ضجر هي حق يكفله له قانون الحياة البائسة

انت اللي صابر ع القرف والعكننة
والناس محاصرة ضحكتك من كم سنة
من حق قلبك يتقبض من غير سبب
من حق حزنك يندهك.. بس بأدب

لكن الملل سرعان ما أيقظ مارد الحلم الساكن في روح الموسيقي لتخرج في معزوفةِ الندى على أوراق ورد الحالمين وآمال المشتاقين
الحلم صاحي يا زمن هلّاس
لسه الولاد شايلين آمالهم في الشنط
لسه البنات طايرين حمام على حلمهم
لسه الكلاب واقفين حرس على ظُلمهم
والحلم باقي طول ما فيه أنفاس

دعوة للصبر

في اليوم السادس، يستيقظ الشاعر على واقعه المؤسف، فما كان منه إلا أن أخذ يخاطب نفسه داعيًا إياها للصبر، وقضاء كل لحظة بكل ما فيها من حلاوة ومرارة، فلذة الحياة تكمن في الصبر على متاعبها حتى لحظة زوالها
اصبر وراح تمشي
علشان متندمشي

روح يناير الحزينة

لكن الصبر الذي يذكر نفسه به كل حين، لم يمنعه من معاتبة معشوقته على حلمه الضائع في غياهب ربيعها الذي نسي ثوبه الأخضر، واستبدل به ثوبًا أحمر مضرجًا بالدماء، ورغم كل ذلك لم يخفت ضوء مشكاةٍ توقَد من نورها نارُ بركان ثورة الحب الذي يجري في عروقه مجرى النيل في تربة الوطن

أنا م العطش ححفرلي نيل
يقتل دواعي الاغتراب
ولا يمكن ابحث عن بديل
مخلوق ومن نفس التراب

بين الحاكم والمحكوم

بعد أن تحدث الثائر مع أرضه، أصل القضية وأصل الأوجاع وأصل الأمل، أخذ يتحدث لكل بائس على أرض الوطن عن ليلقي المسئول عن ما آلت إليه الأمور . عن الذي عاش حياته يتغذى على دماء جسد يقاوم كي لا يفارق روحه، حتى صار فقر الدم سمة يتميز بها المحكوم، وصار الحاكم بطبعه مصاصًا للدماء
الإنسان يحلم بحياة
الإنسان بيشيل الهم
الإنسان معدوم الجاه
والحاكم معدوم الدم

ثم أخذ يشرح عن معادلة المواطن في ظل حكم «مصاصي الدماء» في صراع بين الخبز والحرية والكرامة، ملخصًا أصل المأساة في أربعة أسطر ختم بها يومه السادس

الموضوع ببساطة يا صاحبي
في الدستور مكتوب ممنوع
والإنسان عايز حرية
والحاكم مش نفس النوع


وجبة الإفطار

يواصل الشاعر تناوله لوجبة الإفطار اليومية التي يستفتح بها كل يوم جديد، ليبدأ يومه السابع بنصيحة رجل في العقد ذاته، بعد أن اختبر معترك الحياة، وحال عليه حول الخبرات، حتى تمكن من أن يميز الخبيث من الطيب، والصالح من الطالح

تعرف صديقك في الحياة لما الحياة تاخدك
تعرف عدوك من عينيه لما النهار يخلص
تعرف حبيبك قد ايه في العشق ليك مخلص
لما الهوا يشيل شكوتك ويروحله آخر الليل
وضاع العمر

يسترجع الشاب سبعيني التجربة حياتَه الأقصر من عمره، لتمر أمامه كشريط يحاول فيه أن يسترجع من خلاله حلاوة اللحظات قبل رحيلها

قبل اما أصلاً نكتشف إيه الحقيقة
 كان اللي باقي في الحياة أبسط كتير
من ان ضحكة تتسرق.. تصبح مفيش
أو ان غيرك يقتلك علشان يعيش
مكملين

اختار الشاعر أن يسدل الستار على آخر يوم في أسبوعٍ، امتزجت فيه حكمة خبرته بثورة صمته، ونظرته الحالمة بأمله في أن يؤتي زرعه ثماره يومًا ما. كل ذلك في نشيد الأحلام، المؤلف من سبعة أسطر مكررة العدد مختلفة المعاني، في مزيج من ألوان الطيف السبعة، التي يشاهدها على مرمى البصر كل ذي «نظر»

لسه العيون فيها النظر
قادرة تشوف الضي
قادرة تشوف مليون قمر
يضوي الطريق الجاي
والفكرة ملهاش نهاية
ولا بالحجر
ولا بالرصاص الحي
لا تنتظر!

في تعقيب سريع متناغم بعد جرعة الأمل والإصرار الذي كان في عيني الثائر، أخذ يذكر من حوله بأن السماء لا تمطر حرية؛ فمن أراد شيئًا فعليه أن يسعى لتحقيقه حتى يراه رأيَ العين، لا أن يظل حبيس حُلمه ينتظر المعجزة
وانت اللي بتهرج
مستني سوبرمان
يقتص م السجان
اللي قتلني زمان
من غير ما تتحرك
اتنين

ثم يطرح الشاعر سؤالاً وجوديًا عن تأرجح المشاعر بين البدايات والنهايات، وعن أي كفة ينبغي لها أن ترجح وتكون لها الأولوية في اهتمامات البشر

وانت ف طريقك ضحكتين
متفصلين ع القد
ضحكة لأوقات الشقا
ضحكة لوقت الجد
ضحكة بطعم الانتصار
ضكحة بريحة الدم
هو اللقا بين البشر
ولافراقها أهم؟!

مُثنّى

الحديث عن الرقم 2 جعل فكرة شريك الروح تقفز فجأة إلى باله المتحد بهموم الوطن، ليغرق في مشهد حب منفصل عن كل ما سبق، مجسدًا فكرة العشق التي تأخذك من العالم الذي تعيش فيه إلى عالم آخر خارج حدود الزمان والمكان، مفتتحًا قصيدته بواو تخبرنا عن أن القصة بدأت من قبل أن يعرف المستمع، رغم أنه يظن بأن هذا هو «أول معاد»، جاء كيوم ربيعي مزهر وسط أيام لا تعرف إلا العواصف. والقصة بالتأكيد لن تنتهي بنهاية الكلمات

ومع ان دايمًا بيحصل بعاد
بلاقي ان كل اما اشوفك قصادي
بحساني شايفك في أول معاد


قبل النهاية
وكأن الثائر يعلم أن وقت الرحيل قد اقترب، أو أن الوداع مكتوب عليه أن يأتي بغتة في زمان لا ينتظر الأحلام تتحقق، ولا الورود تتفتح. فجمع أحبابه حوله ليخبرهم بوصيته، غير ناسٍ أنه قد ترك لهم «الوصايا» في أيامه الأول حين كان في محبسه، لكنها في ذلك الحين كانت وصية حامل الراية لمن سيحملها من بعده، أما هذه فهي وصية شخصية لثائر أخذ حظه من الحياة البائسة وقدم ما يمكن تقديمه ولم يعد لديه المزيد، سوى أن يترك لمن بعده تركة الأمل في تحقيق ما لم يستطع أن يحققه

بوصيكم
باغنيلكم أغانيكم
ما اشوف قبري على أشلاء
ولا يمشي ورا مني
سوى المشتاق لنور آتي
ثورة من جديد

رغم ان الشاعر الثائر يقترب من النهاية، إلا أن شعلة الثورة داخل روحه ما زالت متقدة، لم تطفئها معركة لم تنتهِ مع خفافيش الظلام، أو وكأنه يعد لجمعة غضب قادمة، ليحل الربيع من جديد، بعد شتاء طويل، مستعدًا لثورة جديدة
احنا اللي عايشين الوجود
جايين أكيد
نحلم ونجعل حلمنا
واقع سعيد

وتمتد ثورته لتطير شعلتها «من مصر إلى فلسطين» لتحل في الشاعر مرة أخرى الروح الفاجومية التي تظهر في إيقاع كلماته


فيه لسه لمعة عين
في عيون ولد ثاير
Édith Piaf

الثورات تهوى الغناء، والغناء يأخذك إلى عالم ورديّ يكتسي بحمرة الورود التي تنسيه حمرة الدماء أو تختلط بها، كما يختلط العطر الباريسي بمسك الشهداء، أو ربما أراد الشاعر أن يتقوى على ما سيواجهه برقصة حب لا يفارقه ولا غنى له عنه

ونرقص شوية أمام الرصيف
ونفضل نغني أغاني الخريف
واقولك "بحبك" ونقلبها سيما
وبسأل: توافقي نكون مبسوطين؟!
ونسرح نبيع الحكاوي القديمة
نوزع غناوي على المشتاقين

خارج حدود الزمان

للمرة الثالثة في رحلته ، يخرج الشاعر خارج حدود الزمان، وينتقل عبر أثير الألحان الفرنسية إلى قصة حب قصيرة مع فتاة شامية

أنا شفتها وبسملت
قالت لقلبي الله
والقلب كان ماشي
بالشامي قال "ضَل"
قالقلب قال "ماشي"
بنت الشوام اهتدت
وابنك يا نيل ما يضِلّ

ختامه مسك

يختم الشاعر ديوانه بقصيدة لملم فيها أشلاء مشاعره، يخاطب بها محبوبته الوحيدة التي لا يتردد في إحساسه تجاهها، تسكن فيه ويسكن فيها، هي سبب شقائه وفرحه، ومحور اهتمامه من البداية إلى ما لا نهاية.
قصيدة فارس من قلب التاريخ جاء على صهوة جواد لينتشل محبوبته من وسط نيران المعركة الطاحنة

مهما يحاولوا يأخروكي اتقدمي
مهما التاريخ يفتح على بابك نيران
يا كل أمة من بلدنا اتعلمي
مصر اللي بتدوس العدا طول الزمان

ثم ينزل الفارس الأسمر من فوق صهوة جواده ليحمل معشوقته بين ذراعيه، ويقبل يديها في شغف ويركع أمامها كعاشق ولهانٍ طالبًا منها نظرة رضا، معلنًا أمام العالم أنه لن يقبل بأن يكون لسواها، وأنه سيعيش عمره يسعدها

لو تفرحي يا مصر تفرحلك الأكوان
يا ست كل العهود.. يا حارسة الازمان
ألقاكي بتقابلي نهارنا بالترحاب
والقاني بناديكي وديك الصبح بينادي
وافضل أعلّم بيكي معنى الحب لولادي
واسهر انا مشتاق
محسود على بلادي
لو تفرحي

جمعة غضب

اليوم العاشر .. بدأه الثائر كمن ينهي فيلمه السينمائي ببداية جديدة، أو بإيذانٍ لتكرار المشاهد الأولى..
نهاية بصوت تصفيق الثوار رافعي الأيدي في مسيرة جمعة الغضب التي ما زالت جذوة نيرانها مشتعلة في صدورهم وقودًا لاستكمال رحلتهم في سبيل الحرية

كل الطرق واقفة
إلا طريق رجلك

القاهرة
الجمعة 20 فبر اير 2015م
غرة جمادى الأولى 1436هـ