22‏/11‏/2012

الناسُ على دين ملوكهم


في عصر النهضة الإخوانية وكلما واجهتنا مشكلة سياسية أو إدارية في أي منحى من مناحي الحياة عجز المسئولون عن حلها لا لاستحالة إيجاد الحل ولكن لفشلهم هم في إدارة الأمور ، وجدنا من يسوّغ لهم أفعالهم ويحاول أن يلهينا عن أخطائهم وعيوبهم بأن العيب الأساسي في أخلاق الشعب .. ويساعدهم في هذا ردود أفعال بعض الأفراد على المشاكل بإطلاق وابل من السباب والشتائم على المسئولين بطريقة يشمئز منها كل ذي فطرة سليمة ..
والحق يقال أننا بالفعل نواجه مشكلة دينية وأخلاقية على مستوى الشعب .. ولكن مشكلة الشعب لم تبدأ منهم بل من المسئولين عنهم باختلاف مستوياتهم .. وأعتقد أن بداية المشكلة كانت من الأنظمة السابقة .. فالذي أفسد أخلاق الشعب هو الأنظمة السابقة بكل مسئوليها سياسياً وإعلامياً ودينياً وتعليمياً .. والناس على دين ملوكهم .. وكما أن المشكلة كان المسئولون هم بدايتها فإن بداية الإصلاح تكمن في المسئولين .. وإذا لم يكن لدينا مسئولون أكفاء للقيام بهذه المهمة فستظل أخلاق الشعوب كما هي  .. بل ستزداد سوءا.
إذا ما اقتص من الظالم لصالح المظلوم "في كل القضايا وليس فقط في قضية الثورة وحسب" فسيشعر الناس بالعدل .. وسيكف كل منهم عن ظلم بعضهم البعض وعن ظلم أنفسهم .. لأنهم سيدركون أن العدالة ستطبق عليهم إذا ما ظَلموا .. ومرة تلو المرة سيعتادون على العدل حتى يصير جزءاً من سلوكهم ...
إذا ما تعامل رجال الدين بالكيفية التي تُشعر الناس بوجوب توقيرهم لأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولأنهم يطبقون ذلك على أنفسهم قبل غيرهم ، ولأنهم يقولون ما يفعلون .. عندها سيكونون قدوة للشعب وسيحاول الأفراد السير على نهجهم .. ومرة تلو المرة سيكون الدين جزءاً من شخصيتهم .. مع العلم بأن المصريين لديهم الفطرة الدينية السليمة والعاطفة الدينية الجياشة التي تساعد رجال الدين على سهولة بناء الفكر الديني لديهم .. ولا سامح الله من شوهها في الفترة الأخيرة ..
إذا ما تحلى المسئولون بالأخلاق الحميدة وكفوا عن الكذب والمراوغة وكفوا عن تسويغ سلوكهم الخاطئ تجت شعارات دينية، وتوقفوا عن استغلال الدين في السياسة وإقحام السياسة في الدين  ، سنجد انعكاس ذلك على أخلاق الشعب .. فالناس على دين ملوكهم ..
إذا ما وجدنا مسئولين يتخلى كل منهم عن ثروته الضخمة من أجل الشعب سنجد المواطن يتخلى عن رفاهيته - التي نادراً ما نجدها - من أجل جاره الفقير ..
 إذا ما وجد الشعب مسئولين لا يركبون أفخم السيارات ولا يسيرون في مواكب ضخمة سينعكس ذلك على بساطة الناس .. لن نجد فيهم من يحاول التباهي على الآخر حين يغنيه الله من فضله ، ولا من يستعين برجال أشداء حوله ليحموه من أعدائه الذين كان هو السبب في عدواتهم له بسبب أخلاقه في تعاملاته المادية والسياسية والتي تعلمها ممن يعلوه مقاماً دنيوياً..
حين نجد مسئولين يتحدثون عن الدمار الاقتصادي وكل منهم لديه في البنوك مليارات مُمَليرة  - سواء كانت بالحلال أو بالحرام أو بمزيج من الاثنين - فلا تلُم صغار التجار الذين يطففون الكيل و يستغلون حاجة الناس و يحبسون بضائعهم رغبة في زيادة ثمنها .. ولا تلم صغار اللصوص الذين يحاولون البحث عن لقمة العيش بالسرقة لأنهم لم يجدوا تجاراً يخافون الله ويقدرون ضيق عيش المواطنين ..
حين نجد الفنانين يتحدثون عن ضياع الأخلاق في مسلسلاتهم وأفلامهم ويطبقوناها في حياتهم سنجد مريديهم ومحبيهم يقتدون بهم .. ولكن حين تجدهم يتحدثون عن الأخلاق ثم نجد عكسها في سلوكهم فلا تلوموا الشباب على محاولات محاكاتهم .. فالناس على دين ملوكهم..
حين نجد وزارة الصحة ومسئوليها لا يتاجرون بصحة المريض ولا يبيعون أعضاءه ولا يستغلون المرضى كفئران تجارب لأبحاثهم .. حين يتحدثون عن صحة المرء ثم يطلقون في الأسواق - لمصالح تجارية - أدوية تفسد أكثر مما تصلح ، فلا تتسائل عن تدهور صحة الشعب ولا عن سلوك "الصيدلاني" الذي يتاجر مع الطبيب من أجل الترويج لدواء ما على حساب صحة المريض ..

حين نجد رئيساً مواظباً على الصلاة أمام الناس وحافظاً للقرآن، يعد وعوداً ثم يسلك طرقاً ملتوية لتسويغ عدم صِدق وعده ، ثم يسَخِّر له أفراداً يزايدون على دين ووطنية كل من يخالف رئيسهم أو يهاجمه فلا تطعن في أخلاق الشعب .. فالناس على دين ملوكهم ..
حين نجد جماعة الرئيس تخرج لتحتفل وتهلل وتكبر وقت عزاء .. حين نجد تلك الجماعة لا تحرص سوى على العروش والمناصب والانتخابات والبرلمانات في الوقت الذي يموت إخوة لهم في الوطن في الميدان .. فلا تلم بعض الثوار على أخلاقهم إن سبوا أو شتموا أو أساءوا الأدب .. ولكن لوموا أنفسكم .. فلكل فعل رد فعل ..
يا من تتشدقون بضياع أخلاق الشعب .. لا تلوموهم ولوموا أنفسكم .. قوّموا أنفسكم قبل أن تطالبوا الشعب بأن يقوّم نفسه .. "يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون * كَبُرَ مقتاً عندَ اللهِ أنْ تقولوا ما لا تفعلون".
المشكلة ليست في الشعب ولكن فيمن يحكم الشعب .. في دينهم وأخلاقهم وسلوكهم وظلمهم وكذبهم ومراوغتهم والذي ينعكس على شعبهم ..
كلمة السر في قول من قال: "الناس على دين ملوكهم"

إذا صلُح الراعي .. صلُحت الرعيّة 

22/11/2012
8/1/1434