06‏/10‏/2011

روح أكتوبر





في هذا اليوم من كل عام أكون في قمة التفاؤل والأمل والإشراق .. ربما لأن هذا هو اليوم المشرق الوحيد في ظلمة الليل السياسي الذي كنا نحياه .. ولكن للأسف لا أدري لماذا لا أشعر بالشيء ذاته هذا العام رغم أنه من المفترض أن يكون أول عيد للنصر بعد ثورة يناير ودون أن نحتفل في ظل وجود قائد الضربة الجوية الذي استطاب لنفسه أن يسرق مكان ومكانة من هو أعظم منه.. إنني حقاً أستغرب شعوري هذا لكن هذا الشعور لم ينبع من فراغ ، بل أعتقد أنه شعور ينبعث من منطلق الواقع السياسي المرير (المائع) الذي نحياه في ظل حكم العسكر للبلاد ، ربما لأن هذه هي المرة الأولى من نوعها التي نرى فيها الوجه المظلم من قمر الحياة العسكرية التي كنا نراها آخر ما تبقى من الأصالة المصرية .. لقد أخطأنا حين حصرنا الشجاعة المصرية في جنود المعارك الحربية .. تماماً كما أخطأنا حين حصرنا الأمل في استقرار البلاد في حكم العسكر لها .. وعلينا أن نواجه أخطاءنا بشجاعة لأننا إن لم نواجهها فسنفعل مثلما فعل الجيل السابق حين رأى أخطاءه وأخطاء حكامه ففضل أن يدفن وجهه في الرمال فابتلعته الرمال.
في ذكرى أكتوبر من كل عام أتذكر أسماء كل من ساهم في هذا النصر وعلى رأسهم أبي الروحي محمد أنور السادات والفريق سعد الدين الشاذلي رحمة الله عليهما .. وهذا هو العام الأول الذي أشعر فيه بأن الناس بدأت تعرف قيمة الفريق سعد الدين الشاذلي رحمة الله عليه . ذلك الرجل الذي لم يمهله القدر ليشهد أول فرحة بنصر أكتوبر دون وجود من محى اسمه وصورته من الإعلام .. ربما لم يمهله القدير حتى لا يشعر بما أشعر به أنا .. بأن المجلس العسكري الذي كان في يوم من الأيام قائد معركة النصر هو ذاته من يقود معركة الأسر للثوار الأحرار.
وهنا لابد وأن أطرح سؤالاً على أعضاء المجلس العسكري: أين كنتم حين شوه مبارك صورة أحد رجالكم الذي يتباهى به العالم أجمع؟ أين كنتم حين سحب منه مبارك كل النياشين والأوسمة وأصدر قراراً بإيداعه السجن؟! أين كنتم يا رجال القوات المسلحة؟! أليس هو منكم؟!
نعم هو من القوات المسلحة لكنه ليس منكم .. فمنكم من تحمونه الآن .. منكم من قام بتعيينكم فحفظتم له الجميل وهيأتم له كل ظروف الرفاهية حتى في سجنه – هذا لو صح أن نسميه سجناً- بعد أن هيأ هو على مدار ثلاثين عام لخراب مصر والذهاب بها إلى حيث لا يعلم إلا الله .. سعد الدين ليس منكم يا من لم تصونوا اسمه ولا وقفتم إلى جواره .. سعد الدين ليس منكم حين تركتم إعلام حاكمكم الأعلى يزيف الحقيقة والصور ليضع مكانها من تحمونه الآن .. سعد الدين ليس منكم .. وإذا كنتم تريدون الآن أن تتظاهروا بتكريمه فقد كرمه الله قبلكم ورفع روحه إلى عليين حيث لا نفاق ولا منافقين.
إن ما يحمل لي بعض العزاء هو محبة الناس لسيادة الفريق رغم ما فعله مبارك من طمس لحقيقته وتشويه لصورته وإهدار لكرامته .. إلا أن الحق يعلو ولا يعلى عليه ودولة الباطل ساعة ولكن دولة الحق إلى قيام الساعة .. وإذا كان مبارك قد محى صورته واسمه من الإعلام فإن التاريخ قد خط اسمه بحروف من نور لن تمحوه ظلمة الظالمين ولا ثلة المنتفعين..
لم أشأ أن يكون مقالي بهذه الكآبة في ذكرى يوم عظيم كيوم أكتوبر ، ولكني اعتدت أن أكتب ما أشعر به . إنني ولأول مرة منذ أن وعيت على هذه الدنيا أشعر أن احتفالات أكتوبر هذا العام جاءت وبالاً على مصر والمصريين .. فلأول مرة تتعطل "عجلة العمل" في البلاد بسبب الاستعراضات الجوية العسكرية !! لم أسمع عن أمر كهذا من قبل .. أعلم أن الاستعراضات تقام سنوياً ولكن لم يسبق أن تسببت في شل حركة الطيران المدني ولا في أن تكون موضوع حديث الناس في الشارع المصري .. وهنا أطرح تساؤلاً كأي مواطن مصري: لماذا تستعرض القوات المسلحة طيرانها في سماء المدن المأهولة بالسكان؟ إذا كان الغرض هو مشاركة المصريين لهم هذا الاحتفال فأود أن أبلغهم آسفة أن أياً من المصريين لم يستمتع ولم يشارك الطيران الحربي في احتفالاته .. فلم إذن تتوقف بسببه "عجلة" العمل؟! أليس هذا ما كنتم تروجون ضده فيما يتعلق بالثورة والثوار؟! ألم تكن تهمتنا حين تمسكنا بحقوقنا هو أننا نعطل "عجلة الانتاج" ؟!! فلماذا لا يرى المجلس العسكري "الموقر" أن في استعراضاتهم الجوية تعطيلاً لعجلة العمل وعرقلة لسير الحياة في مصر بشكل عام؟! ربما ينبري البعض ليقول لي أن هدف هذه الاستعراضات هو إرهاب العدو المتربص بمصر والذي ربما يكون الآن أكثر تربصاً في ظل "الانفلات" الأمني الحالي.. أقول له إذا كان هذا حقاً هو الهدف فلماذا لا تقام هذه الاستعراضات في تلك الأرض التي شهدت المعركة الحقيقية وسالت على رمالها دماء شهداء مصر؟ لماذا لا تقام هذه الاستعراضات في سيناء وهي أقرب مكان للعدو المقصود إرهابه؟! أم أن المجلس العسكري قصد من استعراضاته إرهاب الثوار أعداء "الاستقرار"؟! أم أنه قصد إرهاب الشعب حتى لا يتجرأ بالخروج على الحاكم العسكري ويؤدي له فروض الطاعة والولاء؟!! ما هو القصد من وراء تلك الاستعراضات التي تسببت في تعطيل إقلاع طائرة مدنية إلى إحدى الدول العربية ست ساعات كاملة؟! أجيبوني فلربما اختلط علي الأمر أو أسأت الفهم بشكل أو بآخر.. ولكن لماذا أنتظر الرد من أناسٍ لم يسمعوا سوى صدى صوتهم وصوت من يسبح بحمدهم؟!
إن احتفالنا هذا العام بالقوات المسلحة لن يزيد على ما كان في السنوات الماضية .. فليس للقوات المسلحة الفضل في ثورة يناير حتى ندين له بشيء أكثر مما مضى .. ولقد أعلنها المشير بنفسه أنه لم تأته الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين فممن حمانا المشير ومجلسه (الموقر) حتى نوسع نطاق احتفالاتنا هذا العام؟!! لماذا كل هذه الضجة من أجل الاحتفال بذكرى نصر مضى لم يسبق أن احتفلنا به بمثل بهذه الطريقة؟! ولماذا كل هذه الدعايا الإعلامية للاحتفال بذكرى نصر ماضٍ يكلفنا الكثير من الأموال التي من المفترض أن يتم توجيهها لما هو أولى خاصة وأن أبواقكم تنشر هنا وهناك أن مصر على وشك مواجهة كارثة اقتصادية سببها اعتصامات الثوار (المخربين) .. وكيف يطيب لكم الاحتفال بأكتوبر ودماء الشهداء لم تجف بعد في قلوبنا؟!! كيف يطيب لكم ذلك وأهالي الشهداء لم يقتصوا بعد ممن دهسوا زهرة شباب أبناءهم بأقدامهم الغارقة في وحل الفساد والظلم والاستبداد؟!! كيف طاوعتكم قلوبكم يا قساة القلوب؟!!

من جهة أخرى فإن الحاكم حين يحتفل بذكرى نصر بلاده يبتعد عن أي مواجهة عنيفة بينه وبين شعبه إكباراً وإعظاماً وتقديراً لذكرى النصر الذي يحتفل به ، فلماذا قام المجلس العسكري (الموقر) باستخدام كل أنواع القوة والعنف في تفريق المتظاهرين من أمام ماسبيرو وفي فض اعتصام التحرير في شهر أكتوبر؟! أليس التظاهر أمراً مشروعاً؟ أليس الاعتصام حق يكفله القانون ؟! هل صار التحرير ملكاً لقوات حفظ (النجيلة)؟!! أليس هذا هو الميدان الذي قلتم عنه من قبل: عودوا إليه متى شئتم ومتى شعرتم أن صوتكم لا يصل إلى الحاكم وأن مطالبكم لا تتحقق؟!! إننا لم نفعل إلا ما أردتم من قبل ولكننا اكتشفنا أنكم كنتم تقولون هذا لامتصاص قوة الثورة ثم أخذتم في تنفيذ مخطط جهنمي لإضعاف الثورة حتى إجهاضها .. ولكنكم أخطأتم حين ظننتم أننا يمكننا أن نقبل بإجهاض ثورتنا .. لا والله فلن نهدأ ولن نكلّ أو نملّ حتى تحكم الثورةُ البلادَ أو نهلك دونها.
وحين أتحدث عن قمع الثورة لابد وأن أذكر قمع الإعلام الحر المحترم .. لماذا قمتم بمنع افتتاح قنوات جديدة وقمتم بغلق قناة كل ذنبها أنها قدمت الواقع المصري من وجهة نظرها دون فبركة للأحداث أو للصور بزعم أنها لا تحمل التراخيص اللازمة لبقائها! بل وقمتم بتهديد كل القنوات التي تعارض حكم العسكر بشكل أو بآخر ، وبفرض رقيب عسكري على الصحافة ..في الوقت الذي تركتم فيه سفهاء الإعلام يرتعون ويروّجون للشائعات ويخوّنون المواطنين كيفما شاءوا؟! أين روح الثورة منكم؟! بل أين روح أكتوبر يا من تتفاخرون بانتصاركم ؟!! أليس النصر يعني الحرية؟ لماذا تحتفلون بذكرى حرية أرض ووطن في الوقت الذي تحتفلون فيه بقمع حرية المواطن؟!!
لا أدري كيف بدأت مقالي ولا بماذا يتعين علي أن أختم!! فقد قلت كل ما يعتمل في صدري.. ولكني اعتدت دائماً أن أبث التفاؤل في قلبي قبل أن أبثه في قلوب الآخرين .. لن أيأس .. سأظل أذكر أكتوبر كأمجد حرب عسكرية قامت بها قواتنا المسلحة .. لكنني لن أتقهقر في الوقت ذاته عن حربي من أجل وطن حر بلا قيود تعرقل مسيرة التقدم والنجاح والارتقاء بمصر لمستقبل أفضل .. سأجعل من كل أغنية وطنية أستمع إليها اليوم حافزاً يدفعني إلى الأمام .. سأجعل من كل مشهد لدماء شهيد سالت على أرض سيناء المباركة وقوداً لمعركة الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ..سأستلهم من روح أكتوبر كل معاني التفاني والجسارة التضحية والإخلاص والفداء فإما أن أشارك في تحقيق الحلم المصري وإما أن ألحق بركاب شهداء الوطن.

أميمة الشاذلي
فجر السادس من أكتوبر 2011م
الثامن من شهر ذي القعدة 1432هـ


هناك 6 تعليقات:

  1. من عظمة الخالق الملك العدل جل فى علاه .. انه فى تلك اللحظات التى كان فيها سعادة الفريق سعد الشاذلى محمولا على الاكتاف الى مثواه الاخير مصحوبا بدعوات الملايين فى ميدان التحرير بعد ان صلوا عليه صلاه الغائب .. كان على النقيض ومن الناحية الاخرى كان مبارك يلملم اوراقه ليرحل الى غير رجعة مصحوبا ايضا - ليس بدعوات الملاييين -لكن مصحوبا بلعنات الملايين . وسيظل التاريخ يذكر هذا اليوم .. الحادى عشر من فبراير .. وشتان الفارق بين رحيل البطل سعد الشاذلى وبين رحيل المخلوع مبارك . عليه من الله مايستحقه ... كل التحية والتقدير والاعزاز لروح سعادة الفريق سعد الشاذلى عليه رحمه الله :)

    تحياتى ليكى يا اميمة ..... وروح اكتوبر ستظل هى وقود الحياة لكل وطنى من ابناء مصر

    اهديكى هذا العمل - روح اكتوبر -

    https://www.facebook.com/video/video.php?v=170367686350729

    Ibrahim Mubarak

    ردحذف
  2. رحم الله الفريق سعد الدين الشاذلي ومهما قلت فلن أوفيه جزء من حقه على ما قدمه ليس لمصر بل للعالم العربي والإسلامي... ورحم الله شهداء أكتوبر فلقد أدوا دورهم على أكمل وجه، وربما حان الوقت الذي نؤدي به نحن أيضاً دورنا تجاه وطننا الكبير الممتد على ثلاثة قارات... ليس من أجل الأجيال التي سوف تأتي بل أيضاً من أجل الأجيال التي ضحت لترى وطنها الكبير درة في جبيننا... موحداً بنا وعلى أيادينا وزمن الإنتصارات لن ينتهي...

    مالك مراد

    ردحذف
  3. رائعة مدونتك اميمة ،، مثلما فعل عبد الناصر بطمس معالم محمد نجيب فعل مبارك بالشاذلى وقبل مبارك كان السادات مع الشاذلى ايضا ، انها تعبير عن قسوة العسكر وخاصة فى التعامل فيما بينهما،،

    ردحذف
  4. أتفق معك فيما يتعلق بعبد الناصر ونجيب.. فمن المعروف لمن كان على صلة بعبد الناصر أنه يعشق القيادة والتمجيد وكان يخشى التماع اي نجم غيره فكان يطفؤه بيده الباطشة .. أما ما يتعلق بالسادات فمن وجهة نظري أنه لمن يكن يسعى لمجد شخصي ولم يبعد الشاذلي عن الساحة بغية شهرة شخصية خاصة وأنه قد نال منها ما يجعله في غنى عن شهرة أي شخص آخر ليس في مصر وحسب ولكن في العالم العربي أجمع .. بل ان اسمه طاف بلاد العالم كلها فكان شخصية العام حتى في أمريكا نفسها ... لذا فأنا أرجع ما قعله مع الشاذلي إلى رغبته في عدم عرقلة ما أراد خاصة وأنه رأى من وجهة نظره أن تكتيك الشاذلي العسكري لا يتناسب مع تكتيكه .. وهو كزعيم لابد وأن يكون دكتاتوريا حين يتخذ القرار الذي يرى فيه مصلحة البلاد .. وهو ما حدث .. أما ما عدا ذلك فلا يتعدى الخلافات الشخصية التي يمكن أن تحدث بين أي اثنين في عمل مشترك

    أما عبد الناصر فهو ملحمة من القهر والاستبداد بلا حدود .. يكفي أنه حبس صاحب الفضل عليه الرئيس محمد نجيب رحمة الله عليه وشرد أبناءه حتى أن أحدهم كان يعمل سائق تاكسي ليتحصل على قوت يومه .. كما أن عبد الناصر اعتاد تكميم الافواه التي تعارضه ولا يسمع الا صوته هو ومن كان يسبح بحمده لكن الفارق بين مبارك وعبد الناصر ان عبد الناصر على الاقل كان يسعى لمصلحة وطنه الى جانب مجده الشخصي من اجل ان تذكر مناقبه هنا وهناك.. اما مبارك فكانت مصلحة الوطن هي آخر شيء يفكر فيه

    ردحذف
  5. لقد إعتاد المستبدين تهميش من حولهم... وإنكار الفضل على أهله.. لأن المستبد لا يرى إلا نفسه ويعتقد أن من سواه أقل منه ودونه... وكما قال عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" "المستبد لا يأمن على بابه إلا من يثق به أنه أظلم منه للناس، وأبعد منه عن أعدائه"... فالمستبد لا يأمن أصحاب الحق ولا تكون بطانته إلا من سقاطة البشر وأكثرهم إجراماً وظلما

    مالك مراد

    ردحذف
  6. gjhgkgkk
    ihljhkjghfhd
    oyutyrter
    m.,mvcvxbx
    l'kljhg

    ردحذف