16‏/07‏/2011

الرداء الأحمر وحكومة (الضغط)


في لحظة تأمل وجدت نفسي لا شعورياً أربط ما بين حب أغلب المصريين لفريق الأهلي وحبهم لوضع الخطوط الحمراء ، ابتسمت في سخرية وأنا أقول لنفسي: إن فريق الزمالك والذي يحظى كذلك بجماهيرية عريضة هو أيضاً يرتدي ملابس بها خطان حمراوان ، فهل لهذا أيضاً علاقة بالخطوط الحمراء؟
إنني لأتعجب حقاً من وضع الخطوط الحمراء في حياتنا بلا داعي ، بالأمس كنا نعتقد أن من وضعها هو النظام السابق حتى يتسنى له العبث في مصر كيفما يشاء ، ولكن الآن وبعد ثورة التحرير ألم نستطع بعد التخلص من هذه اللعنة؟!! نعم! إنها لعنة تصيب كل من لا يريد التحرر من خيوط العبودية التي نسجها عنكبوت عصر الاستبداد، ومن خطوط النقد ذات الرداء الأحمر. لماذا استبدلنا خطاً أحمرَ مباركياً بمثيله الطنطاويّ؟! لا لن أتهم الفلول في هذا الأمر ، ولكنني ربما أتهم (الفول) الذي أسكرَ عقولنا حتى ما عدنا نفرق بين النقد لقرارات مدنية يصدرها المجلس العسكري وبين قرارات يصدرها تخص الشأن العسكري الداخلي الذي لا نفقه فيه شيئاً أكثر من بعض المعلومات التي تعلمناها من تاريخ الحروب!! لماذا يصر عدد لا بأس به من المصريين على الخلط بين الأمرين؟!! وهنا نجد المصري (الهُمَام) ينبري بمنتهى الثقة ليقول: "ماهو لو المجلس العسكري سقط هو الجبهة الوحيدة اللي بتحافظ على أمن وسلامة مصر ، ولو سقط يبقى مصر كلها وقعت"!!!! وأخرى تقول: "لما تلاقي بيت عواميده كلها وقعت ومفضلش غير عامود واحد ، حتوقعيه هوا كمان؟! العامود ده هو الجيش"!!!!!!!!!
لا أدري لماذا نصر على ترديد ما لا نفهمه ، أولاً ما الصلة بين الجيش والمجلس العسكري؟ الصلة هي بلا شك القرارات العسكرية التي تصدر من المجلس فينفذها الجيش ، لكن إذا كان هذا المجلس يصدر قرارات مدنية تخص المصريين أجمعين لماذا نظل نربط الجيش برحيل المجلس العسكري؟ هل إذا غادر المجلس العسكري وسلم سلطاته إلى جهة مصرية أخرى، هل حينها سيكف الجيش المصري عن حماية مصر فتكون مصر عرضة لكل من يتربص بها من الخارج؟! إن أي جهة ستتسلم السلطة من بعد المجلس العسكري ليس لها دخل بالشئون العسكرية وبقرارات المجلس العسكري التي تخص الجيش المصري، فلمَ هذا الخلط غير المفهوم بين الحياة العسكرية والمدنية؟! ولماذا نصر على تدوال فكرة أن الجيش والمشير "خط أحمر"!! هوا احنا حنسرَّح الجيش يا اخوننا لما المجلس العسكري يمشي؟!! عجبت لك يا زمن
كلامي هذا لا يعني أنني أقبل إهانة المجلس العسكري أو المشير أو المؤسسة العسكرية ، فأنا أؤمن بحرية التعبير عن الرأي شريطة التزام الأدب ، ولا يعني كلامي أيضاً أني أرغب في رحيل عشوائي للمجلس العسكري ، فهذا يذكرني بقرار الانسحاب العشوائي من أرض سيناء المباركة في يونيو 1967 ، ولكن هذه المرة فيما يخص الحياة المدنية . إنني أطالب الثوار – الذين أعتبر نفسي منهم – أن نضع بديلاً يتوافق والقانون والدستور والطبيعة السياسية المصرية ، فلا معنى للمظاهرات والاعتصامات إذا لم تكن قائمة على مطالب عادلة لها حيثيات واضحة يمكن تطبيقها على الواقع السياسي ، فعلينا أن نضع عدة حلول ونرى مدى صلاحيتها للتطبيق على الواقع السياسي المصري ، عندها فقط يمكن ألا نجد سبباً يستدعي بقاء المجلس العسكري في السلطة إذا ما كان هذا هو مطلب جماهير الثوار، وإلا فعلينا الاستمرار بالضغط على المجلس حتى ينفذ كل مطالبنا وننتظر حتى موعد الانتخابات.
بمناسبة ذكري (للضغط) على المجلس ، فإنني أعترف بأن هذا المجلس قد استطاع أن يرفع (ضغطي) المنخفض بطبيعته وذلك بسبب سياسته الباردة التي لا تختلف عن سياسة النظام السابق في شيء . هذا المجلس وحكومته (الرشيدة) صارا لا ينتبهان إلى أن هناك ثورة قامت إلا كلما قررت جماهير الثوار النزول إلى الميادين (للضغط) على كل مسئول لتنفيذ مطالب نادينا بها منذ خمسة أشهر! هل هذه هي السياسة الحكيمة؟! وهل هذا هو ما تعهد به د/عصام شرف أمام الثوار في ميدان التحرير؟! وهنا أجدني أتقمص شخصية د/أحمد خالد توفيق في سلسلته "ما وراء الطبيعة" لأبحث عن "سر حكومة شرف" ، وليكن هذا هو العدد الأول في سلسلة "ما وراء الحكومة"!!!
تُرى ما سر بقاء د/عصام شرف في السلطة بعد أن تعهد بتقديم استقالته إذا لم يستطع تنفيذ مطالب الثورة العادلة؟! وقبل أن نبحث عن إجابة لهذا السؤال علينا أن نسأل سؤالاً أكثر أهمية: لماذا لم يستطع د/عصام تنفيذ هذه المطالب؟ هل لأن اختياراته لوزرائه لم تكن موفقة؟! أم كان مجبراً عليها؟ أم أن مطالب الثورة تتعارض وسياسة المجلس العسكري الذي قام بتعيين رئيس الوزراء؟! بالطبع لن أستطيع تصديق الإجابة الأولى لأن د/عصام حتى وإن لم يكن موفقاً في اختيار بعض وزرائه فإن لديه صلاحية تغييرهم بمن شاء ، أما الإجابتين الثانية والثالثة فهما الاحتمالان الوحيدان المنطقيان ، إذ لا يمكنني تصديق خيانة د/عصام للثورة لأنه كان أحد الثوار قبل تنحي الرئيس السابق مبارك ، وبالتالي فلن يغير موقفه بعد أن زالت أكبر العقبات. وهنا أجدني أطرح سؤالين آخرين لا إجابة لهما: لماذا يرى المجلس العسكري في تنفيذ مطالب الثورة ما يتعارض مع سياسته (الرشيدة)؟ ولماذا لم يتقدم معالي رئيس الوزراء باستقالته تنفيذاً لعهد قطعه على نفسه أمام جماهير التحرير؟!
ولا يمكنني أن أمنع نفسي من طرح أسئلة أخرى تؤرقني: ما سر تلك الأنباء التي ترددت عن رغبة معالي رئيس الوزراء في تغيير بعض وزرائه ورفض المجلس العسكري لذلك؟ هل يعاني د/عصام من (ضغط) ما يجبره على عدم تقديم استقالته؟ إذا لم يكن الأمر كذلك لماذا لا يصارحنا إذن بسبب المماطلة في تنفيذ مطالب الثورة؟ ربما يكون سبباً سياسياً منطقياً ، فلماذا لا يصارحنا به؟! ولماذا بدلاً من هذا خرج علينا بخطابات تذكرنا لهجتها بخطابات الرئيس السابق التي كانت تتسبب في رفع (ضغط) الشعب المصري بأكمله؟(طبعاً مع مراعاة تعبيرات د/عصام والتي تنم عن إرهاق وضغط وعدم رضا). لماذا لا يوجد جدول زمني لتنفيذ كل مطلب؟ لماذا تصر حكومة شرف على رفع (ضغط) المصريين؟ ولماذا يصر المجلس العسكري على إجبار الثوار بانتهاج سياسة (الضغط) حتى يتم الانتباه لما يريدون؟! إنه يذكرني بالطالب النائم الذي يستيقظ كلما طرق الأستاذ بقبضته على سطح مكتبه، فيستيقظ ليقول: "أنا صاحي والله" ثم يعود ليغمض عينيه، ولا يفهمنّ أحد من تشبيهي هذا إلى إشارتي بأن الثوار هم الأساتذة وأن المجلس هو الطالب النائم ، وإنما تشبيهي هو للحالة فقط لا للأطراف ، فنحن نعلم جيداً أن المجلس العسكري لا يغمض له جفن ، ولكن السؤال هنا هو: على راحة من يسهر إن لم يكن على راحة مصر؟! وهل مطالب الثورة تتعارض ومصلحة مصر العامة؟ أظن أنكم أنكرتم هذا وأعلنتم بأنفسكم أن مطالب الثورة مشروعة؟ إذن ما سر المماطلة في تنفيذها كما لو أنها مطالب مستحيلة؟! أليس من حق مصر أن يحكمها خيرة رجالها في شتى المجالات؟ أليس من حقنا أن نرى كل ظالم وقد نال جزاءه العادل والذي بسرعة تنفيذه سيشفي غليل كل مكلوم ومظلومو سيمنع حدوث أي فوضى محتملة؟ أما آن للغيم أن ينجلي وللقيد أن ينكسر وللوثاق أن ينفك من حول معصمي مصر المكبّلين؟!!! ألن نحيا حتى نرى حكومة لا تعمل (بالضغط) ولا تولد (الضغط)؟ ومتى نتخلص من كل الخطوط الحمراء ليتبقى لنا خط أحمر واحد هو "مصلحة مصر"؟

أميمة الشاذلي
16/7/2011م
15/8/1432هـ

هناك 7 تعليقات:

  1. ارفع لكى قبعتى تقديرا لهذا المقال الرااااااائع الذى يصور واقعا نحياه بكل تفاصيله

    تحياتى لكِ يا رمز الصمود

    ابراهيم مبارك

    ردحذف
  2. عارفة يا أميمة المشكلة إيه؟

    ثقتنا السريعة في أي حد بتكلم عن الشعب كله وليس الثوار فقط

    الثوار أصبح ما بداخل عروقهم دماء ثورية ساخنة حامية لكن البقية شعروا أنهم صدموا في اللواء الفنجري

    وهل كنا نعرفه أصلاً قبل الثورة

    هل لأنه حيا الشهداء

    أمور الإعلام هذه مرسومة بدقة فكما كانت التحية كانت نبرة الوعيد وإصبع التهديد

    لمن تحديدًا ليست هذه القضية؟

    ردحذف
  3. بالمناسبة المدونة بتاعتك حلوة أوي

    مستنية رأيك في بتاعتي

    أنا رحاب

    ردحذف
  4. فعلاً هي تساؤلات تراودنا ولا أجد لها إجابة سوى إنه لا يزال حاميها حراميها وهناك سيناريوهات ضخمة تدور في الكواليس نرى دخانها وإن يصعب الكشف عن موقعظماهية نارها. أيًا كان الشعب في المظاهرات والاعتصامات الأخيرة على حد علمي كان ينادي بإسقاط المشير أي إن هناك قطاع كبير لا يعتبره خطًا أحمر، لسه عندي أمل.

    ردحذف
  5. مقال رائع جدا

    انا عندي اجابه لسوال ليه المجلس بيعمل كده

    ببساطه لانه لن يتخلي عن 40% من اقتصاد دوله ياتي له لن يتخلي عن مقعده وسلطته لن يتخلي عن كينونته وشعوره بقوته

    وهناك الكثير ستحذفه الرقابه

    انطوني جمال

    ردحذف
  6. sawsanabouelkhair@gmil.com19 يوليو 2011 في 4:13 م

    أولا بالنسبة للمجلس العسكرى لو اجبر على ان يترك قيادة البلد للمدنيين سوف يفعل كما فعلت الشرطة ولن يؤدى واجبه ده من جانب اما الجانب الاخر وهو عدم تقديم عصام شرف استقالته هو سياسة الامد الطويل مع المجلس العسكرى وحماية الثورة ولو فكرنا انه يقدم استقالته حيجيبوا حد عسكرى يراس الحكومة وعشان كده هو لم يخن الثورة وتهديده بتقديم استقالته لن تفيد بل قد تضر ولك الله يا مصر

    ردحذف
  7. قد كانت شعرة معاوية .. لكنها اهترأت

    ردحذف